من خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب التصعيدي ضُدّ إيران وتحذير الرعايا الأميركيّين من المخاطر في ​لبنان​ خصوصًا على الحدود الجنوبيّة إلى تنبيهات الرئيس العماد ميشال عون... ومن التدريبات العسكريّة والمناورات الإسرائيليّة المتواصلة إلى تهديدات أمين عام "حزب الله"، السيّد حسن نصر الله، ضُد إسرائيل... ومن الخطط الرامية إلى تخفيف أعباء النازحين السوريّين في لبنان إلى قيام "حزب الله" بفصل القيادات الأمنيّة لوحداته القتالية في لبنان عن تلك التي تُشارك في حرب سوريا... الكثير من التطوّرات التي إعتبرت بمثابة مُؤشّرات لحرب وشيكة بين "الحزب" وإسرائيل. فهل هذا صحيح؟

الإجابة السريعة والمُباشرة هي لا، حيث أنّ كل المُؤشّرات والمُعطيات الراهنة تؤكّد أن لا حرب في المُستقبل القريب بين لبنان وإسرائيل، للعديد من الأسباب، أبرزها:

أولاً: إنّ إسرائيل لا ترغب على الإطلاق بأيّ حرب مع لبنان أو مع سواه في المدى المنظور، كونها تعيش منذ سنوات إحدى أفضل فترات الإستقرار في تاريخها، نتيجة تفجّر الصراع الإيراني–العربي في أكثر من مكان، وإستمرار الصراع العسكري في سوريا، وتصاعد الخلافات العربيّة–العربيّة، وتراجع الدعم للفلسطينيّين بالمال والسلاح، وانغماس جزء كبير من مُقاتلي "حزب الله" في المعارك في سوريا، وضُعف الوضع الإقتصادي المصري ودقّة الوضع الداخلي الأردني، إلخ. وبالتالي، هي حريصة على بقائها خارج دائرة الإهتمام لأطول فترة مُمكنة، طالما أنّ الكثير من خُصومها يخوضون حروب إستنزاف بعيدًا عنها.

ثانيًا: إنّ إسرائيل تُخطّط للإستفادة من الصراع الإيراني–العربي المُتصاعد، للتقارب أكثر من بعض الدول العربيّة بغطاء من الإدارة الأميركية الجديدة التي تعمل على هذا الأمر، تحت شعار "عدوّ عدوّك... صديقك"! وهي بالتالي لن تقوم بأي خطوة من شأنها تحفيز العصبيّة القوميّة العربيّة، أو إعادة الإهتمام إلى القضيّة الفلسطينيّة، أو حتى تسليط الضوء على إسرائيل بدلاً من القضايا المُتفجّرة على الساحة العربيّة حاليًا، وبدلاً من صبّ الزيت على نار الصراع الإيراني–العربي.

ثالثًا: إنّ إسرائيل تُدرك أنّ قُدرات "حزب الله" العسكريّة نمت بشكل كبير خلال العقد الأخير، الأمر الذي يعني أنّ دُخولها في مُواجهة عسكريّة واسعة مع "الحزب" سيقود حُكمًا إلى خسائر كبيرة لها، على مُختلف الصُعد، تفوق بحجمها وبنتائجها تلك التي تعرّضت لها في آخر مُواجهة عسكريّة واسعة معه في العام 2006. وبالتالي من مصلحتها الإبقاء على الهدوء السائد على الحدود منذ نحو 11 عامًا، بغطاء مَعنوي دَولي، لأطول فترة مُمكنة، بدلاً من الدخول في حرب ضارية غير معروفة النتائج، ولا يُمكنها الفوز بها.

رابعًا: إنّ "حزب الله" الذي يتحدّث دَوريًا عن تنامي قُدراته العسكريّة، ويرفع وتيرة تهديداته، يفعل ذلك من مُنطلق سياسة ردع إستباقيّة لقطع الطريق على أيّ مُغامرة عسكريّة غير محسوبة من الجانب الإسرائيلي، وليس من رغبة لديه بافتعال أيّ مُواجهة في هذه المرحلة، حيث أنّ إهتمامه وتركيزه الرئيس في مكان آخر، وإهتمام وتركيز الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية، أي الداعم الأساسي له، في مكان آخر أيضًا.

خامسًا: يعلم "حزب الله" أنّ إسرائيل قرّرت بعد تجربة العام 2006 الفاشلة، ألا يقتصر ردّها في أيّ معركة مُقبلة على أهداف خاصة بالحزب، أو ضُمن المناطق التي تتواجد فيها بيئته الشعبيّة الحاضنة، بل ضُدّ الدولة اللبنانية وبناها التحتيّة ومؤسّساتها كافة، وضُدّ الشعب اللبناني عُمومًا. وهو يعلم أنّ إسرائيل قرّرت رفع مُستوى الأذى الذي تنوي إلحاقه بلبنان في أيّ معركة مُقبلة، حيث سيتمّ مثلاً تدمير معمل الذوق الحراري بدلاً من قصف محطة التحويل في الجمهور، وتدمير المبنى الأساسي للمطار بدلاً من قصف بعض المُدرّجات، وتدمير منشآت مرفأ بيروت بدلاً من قصف مرفأ جونية بصاروخ من طوافة، إلخ. ومن شأن هذا الأمر أن يحمّل "الحزب" مسؤوليّات كبيرة. ن أن

سادسًا: إنّ غياب الأمان عن الداخل السوري، وتنامي أزمة اللاجئين في لبنان، ووجود نيّة إسرائيليّة بعدم إستثناء أيّ منطقة في لبنان في أيّ مواجهة مُقبلة، يزيد من الضغوط المعنويّة التي سيتعرّض لها "الحزب" في حال الإنجرار لمعركة، لإنعدام الأماكن الآمنة التي سيكون من المُمكن لجوء المَدنيّين إليها. كما أنّ الخلافات الإيرانيّة–الخليجيّة، وبين "الحزب" ودول الخليج التي تُعاني أساسًا من ضُغوط إقتصادية كبيرة في هذه المرحلة، يعني عمليًا غياب التعويضات المالية التي يُمكن أن تُساهم في إعادة بناء ما سيتهدّم. وبالتالي، لا مصلحة للحزب بتعريض لبنان لأيّ ضربات جديدة، في ظل كل هذه المُعطيات والوقائع.

في الخلاصة، يُمكن القول إنّه بغضّ النظر عن إرتفاع مُستوى التهديدات والتحذيرات المُتبادلة، لا مُواجهة في المُستقبل القريب بين إسرائيل و"حزب الله"، حيث أنّ مصلحة كل من الطرفين تقتضي بقاء الهدنة القائمة بينهما منذ أكثر من 10 سنوات، حتى إشعار آخر.