في ظل الهجمة الارهابية الشرسة على المنطقة ومنها لبنان، تتداول وسائل الاعلام المحلية اخبار الاجهزة الامنية من باب ما تقوم به لمكافحة الارهابيين ومنعهم من تحقيق مآربهم في لبنان، وتشيد بالتعاون والتنسيق الكبير فيما بين هذه الاجهزة لإفشال مخططات ما يحيكه اصحاب الارهاب والاجرام ضد لبنان. الا ان جهازاً امنياً واحداً، يتم تداوله من منظار آخر، وهو جهاز امن الدولة حيث يتم التعاطي معه من باب الخلاف الحاصل حول صلاحيات المدير العام لهذا الجهاز اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي، والتي وصلت الى مجلس الوزراء دون ان يتمكن من حلها حتى الساعة.
وفي ظل هذه المراوحة التي تطول وتطول، تحدثت مصادر مواكبة لهذا الملف عن ابرز النقاط التي يتكون منها الملف وملاحظات سجلتها في هذا السياق.
بداية، توقفت المصادر عند جوهر المسألة وهي الزامية ان يضع العميد الطفيلي رأيه على القرارات والمعاملات التابعة للمديرية، والا تم توقيفها. وسألت المصادر: لماذا ظهرت هذه "المشكلة" بشكل فجائي، ولم تفرض نفسها سابقاً، علماً ان الجهاز ليس بجديد وهو كان قائماً منذ العام 1985 ولم يشهد منذ انشائه مثل هذه الحالة، التي لا اساس قانونياً لها او منطقياً.
واستبعدت المصادر نفسها ان تكون المشكلة شخصيّة، اي أنها لا تتعلق بشخص اللواء قرعة ولا بشخص العميد الطفيلي، ولكن بعمل المديرية بشكل عام، وتخوّفت من وجود نية مبيّتة تهدف الى الاطاحة بهذه المديرية او بـ"تذويبها" في اجهزة امنية اخرى، وهي استنتاجات مبنية على معطيات عدة ابرزها:
-منع الجهاز من التعاطي مع اجهزة استخباراتية عالمية، حيث لم يوافق رئيس الحكومة تمام سلام على تلبية اللواء قرعة دعوة من رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" جون برينان قبيل رأس السنة، او أي دعوة اخرى قد يتلقاها.
-عدم دعوة اللواء قرعة الى اجتماعات امنيّة موسّعة على غرار باقي الاجهزة، رغم ان امن الدولة لا يزال يضطلع بمهام تهدف الى مكافحة الارهاب وقد تمكن من كشف خلايا في اكثر من مناسبة.
-عدم افراج وزارة المال عن المعاملات الماليّة العائدة للمديرية، وهو امر من شأنه بطبيعة الحال ان يؤدي الى تراجع عمل امن الدولة والحد من تطوره والتخفيف من قدراته الاستخباراتية التي يعتمد عليها والتي تشكل اساس عمله الاستقصائي المخابراتي.
-عدم حل المشكلة رغم كل الجهود التي بذلت، حتى ان رئيس الحكومة طلب مهلة اسبوعين للبت بها، وقد تخطّت المهلة ضعف هذه المدة دون ان يحصل ولو تقدم بسيط في المسألة.
وتضيف المصادر ان هذا الامر يظهر بوضوح ان المشكلة سياسية وليست قانونية، لانها لو كانت كذلك، لما تأخرت الماليّة او رئاسة الحكومة في الكشف عن المخالفات والتأسيس عليها لاظهار الخلل في عمل المديرية و"قوننة" تجميد المعاملات.
ولان القضيّة سياسية، ولأنّ المعني المباشر اي رئيس الحكومة لم يتحرك ويعيد المسألة الى سكّتها القانونية، تدخّل عدد من الوزراء، ووصلت المشكلة الى ما وصلت اليه اليوم من انقسام داخل الحكومة.
واعتبرت المصادر ان الحكومة قادرة مجتمعة على البت في الموضوع مرة نهائية، حيث يمكن استغلال واقعة ان العميد الطفيلي سيحال الى التقاعد في 27 من الشهر الحالي، وبالتالي يمكن لمجلس الوزراء، اذا صفت النوايا، ان يتوافق على شخصية اخرى لملء الفراغ فتخرج السياسة ويدخل الحل.
ولكن المصادر كشفت ان بعض النوايا غير صافية بدليل ما يحكى عن نيّة لتمديد خدمة العميد الطفيلي او تأجيل تسريحه، وهو ما من شأنه ان يعيد القضية الى نقطة البداية لان اللواء قرعة كما ينقل البعض أنّه لا ينوي تقديم استقالته وما طرح لجهة تبديله ونائبه وتعيين بديل عنهما هي فكرة غير قابلة للحياة، كما ان العميد الطفيلي سيبقى في منصبه حتى اللحظة الاخيرة في انتظار ما ستسفر عنه الاتصالات لتحديد مستقبله في المديرية.
ورأت المصادر ان جهاز امن الدولة هو مديرية وليس فرعاً او شعبة، ولا يجوز التعاطي معه بهذه الطريقة لتقويض معنوياته بدل الاستفادة منه في هذا الظرف بالذات، لتعزيز الأمن الممسوك نسبياً بفضل الاجهزة الامنية وعملها والمظلة الدولية التي لا تزال "مفتوحة" لتظلل لبنان.
وشددت المصادر من جهة ثانية على اصرارها على ان الامن في لبنان ممسوك بشكل مقبول جداً رغم التفجير في فردان منذ يومين، ووضعته في خانة العمل الاستخباراتي وليس الارهابي وذلك وفق المعطيات المتوافرة، وقد شهدت دول عريقة في العالم مثل هذه الحوادث ومنها على سبيل المثال لا الحصر فرنسا واميركا وبلجيكا والمانيا وغيرهم...
هل يمكن للدولة ان تستمر بلا "جهاز امنها" والى متى؟ الجواب يكمن لدى الجهة المعنية وهي رئيس الحكومة تمّام سلام ومجلس الوزراء.