لم يعد سجل العجائب في ​دير مار مارون​-​عنايا​ يتّسع لتدوين كل الشفاءات والنعم التي خصّ بها الله البشر عبر قديسه شربل مخلوف(1)من مختلف الأديان والبلدان، فهذا الراهب "النشيط" بالشفاءات والعجائب التي يجترحها باسم يسوع المسيح، وكرّس حياته على الأرض لخدمة الله إستحق لقب "طبيب البشر في السماء"... فما هو مستعصٍ ومستحيل في علم الطب كان الدواء الشافي عند شربل "السكران بالله"، والذي يُصادف اليوم ذكرى مرور 118 عامًا على وفاته.

لا ينفك دير مار مارون عنايا(2)يستقبل المؤمنين الذين نالوا نعمة الشفاء بشفاعة "حبيس عنايا". وشكري كرم واحد من الذين نالوا هذه النعمة، هو الذي مشح بالزيت إستعداداً لملاقاة ربّه فإذا بشربل يتدخّل ليغيّر كلّ شيء.

يروي شكري عبر "النشرة" أنه "وأثناء تواجده في عمله شعر بآلام حادة في أمعائه وإنخفض ضغطه، ونقل الى قسم الطوارئ في إحدى المستشفيات، وتبيّن بعد إجراء الصور الشعاعية أنه يحتاج للخضوع الى جراحة نظرا لكونه مصابا بالتهاب حاد في الكبد، كما ان كليتيه توقفتا عن العمل بشكل كامل.

نجاة من الموت

يشير شكري الى أنه إستيقظ في اليوم التالي ليجد نفسه محاطا بكل عائلته وأخبرته إبنته أن حالته حرجة جداً، وقد لا ينجو من الجراحة وأبلغته في الوقت نفسه أنها ستحضر كاهنا لتَمْشَحهُ. كانت هذه اللحظات الأصعب بالنسبة الى شكري وقد رأى الموت أمام عينيه، ويلفت الى أن "شقيقتيه بدأتا بالصلاة للقديس شربل وبتقديم النذورات، ومن حينها تغيّر كلّ شيء، حتى الأطباء لم يفهموا ما يحدث فيما اختفى "الثقب" (جرح عميق بسبب ورم) الذي كان متواجداً في جنبه"، وهنا يشير الى أن "الطبيب طانيوس عطية طلب عدم لمسي ليتبين بعد إجراء فحص الدم أن الكليتين عادتا الى العمل بشكل عادي والالتهاب قد زال".

لم تتوقّف قصّة شكري عند هذا الحدّ، فرغم كلّ ما مرّ به، أصرّ الأطباء على ضرورة إجراء الجراحة نظراً لوجود ورم في الأمعاء. هنا يشير شكري الى أن "الطبيب عطية عاد وطلب تأجيل الجراحة لحين استكمال الفحوصات بواسطة المنظار الطبي، وهذا ما حصل بعد مرور ثلاثة أشهر. ولكن قبل ذلك، كنت صليت وطلبت من القديس شربل أن يشفيني دون جراحة، ولم أتوقع استجابته بهذه السرعة التي أذهلت الطبيب الجرّاح الذي أشرف عليّ، فكان جوابه: "لست تعاني من شيء وكل ما يلزمك بعض الأدوية فقط لا غير".

ويشكر شكري الله عبر ​مار شربل​ الذي يعمل بشكل متواصل من اجل المشاركة في خلاص البشر جميعاً، ويعتبر ان ما حصل معه غيّر حياته واعاد اليه الامل الذي فقده على هذه الارض.

أعجوبة طفل

وفي عنايا، وفي دفء ذلك الدير حكايات كثيرة لناس نالوا نعماً مختلفة، ومنهم ريتا خضرا التي فقدت طفلاً في أحشائها إثر تعرضها لحادث سير لتكتشف بعد ثلاثة أشهر أنها حامل مجدداً. وتشير الى أنه وبعد مرور فترة زمنيّة من حصول الحادث، أجرت صورة شعاعية تبيّن من خلالها أن عنق الطفل يبلغ 7.1 سنتيمترا فيما يفترض أن يكون 1.5 سنتيمترا كحد أقصى، مما يعني وجود خطر من أن يعاني الطفل من تشوه عند الولادة، لافتةً الى أنّ "الطبيب عاد وطلب مني صورة شعاعية جديدة ليتبين أن الطفل يعاني من ثقب في القلب، وفي هذه الأثناء قرّرت أن أرتدي ثوب القديس شربل وقمت بذلك على مدى أربعة أشهر". وتضيف: "في الشهر الثامن أجرينا صورة شعاعيّة أخيرة فتبيّن أن طول العنق اصبح طبيعيًّا، وولد الطفل سليماً معافى".

حالات أخرى كثيرة يحملها سجل العدائب في عنايا، ويكفي ان نشير الى انه منذ تموز الفائت وحتى اليوم تم تسجيل 60 حالة شفاء عجائبيّة عبر القديس شربل، عدا الحالات التي لم يتم تسجيلها بعد.

ولا شك ان محبة مار شربل غير المحدودة لله، جعلته يصل الى مصاف القديسين، وبات احدى المنارات التي وضعها يسوع المسيح على طريق الخلاص لتقودنا اليه، هو البداية والنهاية، هو نبع المحبة الذي لا ينضب.

(1) القديس شربل وُلِدَ في بقاعكفرا-شمال لبنان في 8 أيار 1828 واسمه الأساسي يوسف مخلوف، وتوفّي ليلة عيد الميلاد سنة 1898، بعد أن أصيب بداء الفالج في 16 كانون الأوّل من عام 1898.

(2) "عنّايا" لفظة سريانية فسّرها البعض بمعنى المرتّل والمرنّم أو جوق المتعبّدين أو النسّاك. كانت في السابق مزرعة من مزارع بلاد جبيل، إنتقل إسمها إلى الدّير لمّا ابتاع الرهبان فيها أرضًا وشرعوا بتشييد دير عليها. إنتهى العمل في بناء القسم الأوّل من الدّير سنة 1828 وهي سنة ولادة مار شربل.

تصوير: عباس فقيه ونور خوري