لم يكن محمد إبن الشهر الواحد يعلم أن جنسيته اللبنانية ستكون سببا في معاناته على أبواب المستشفيات، وأن عمره الصغير وحرارة جسده العالية لن يشفعا له كي يتمدد على سرير العلاج في المستشفى، فالطفل ممنوع من الدخول لتلقي العلاج لانه "مضمون ومش تأمين".
كتب والد الطفل بهاء بركات قصته "بدموعه"، قصة بدأت ليل الاحد-الاثنين، ففي العاشرة مساء توجّه بهاء الى مستشفى السان تيريز حاملا محمد الذي يعاني من حرارة مرتفعة (39 درجة)، كان يبكي فأزعج "مسامع" الممرضة التي خرجت تقول إنّ صوت الطفل أزعجها كثيرا: "دخّلوه طوَشني"، يقول بهاء في حديث لـ"النشرة"، مشيرا الى أن الممرضة طلبت من والدة محمد أن تفحص حرارته وان تعطيه "البانادول"، وقالت لهم: "لا يوجد هنا لا ميزان حرارة ولا بانادول".
ويضيف الوالد ان المستشفى رفضت معالجة طفله بعد أن اكتشفوا أنه مسجلا في "الضمان" ولا يملك تأمينا خاصا، وطلبوا منه المغادرة والبحث عن مستشفى جديد لعدم وجود غرف خالية. ويقول الوالد: "رفضوا استقبال محمد رغم علمهم بانه بحاجة الى مستشفى لأنهم قالوا لي ذلك بلسانهم". خرج الوالد حائرا يحاول التفكير عن حل وسط أفكار عاصفة تجتاح رأسه القابع تحت طقس عاصف، حمل هاتفه واتصل بمستشفيات اخرى بينها "المشرق" و"السان شارل"، اللتان وافقتا على استقباله، وحين علمتا أنّه "مضمون"، أصبحت غرف الاطفال لديهما ممتلئة، أما مستشفى جبل لبنان فكانت حجّتها عدم امتلاكها قسما مخصصا للأطفال.
رفضت مستشفيات السان جورج والقدّيس جاورجيوس (الروم) والجامعة الأميركية ومركز كليمنصو الطبي واوتيل ديو استقبال محمد، ولم يؤتِ الاتصال بمدير مكتب وزير الصحة ميشال عاد ثماره، فالاخير طلب من الولد تسجيل شكوى عبر الاتصال على الرقم 1214، ولم يستطع أحد الاطباء في ادارة السان تيريز أن يؤمّن السرير، ولم يستطع أحد الأطبّاء في مستشفى "الروم" من تأمين سرير أيضا رغم محاولاته الحثيثة، فكانت النهاية بعد أن قدّم الوالد الشكوى في وزارة الصحة أن تواصل مع رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في الوزارة هشام فوّاز الذي استطاع بعد جهود أن يُدخل الطفل الى المستشفى اللبناني الكندي.
يكشف الوالد في حديثه لـ"النشرة" أن طفله يعاني من التهابات حادة في الدمّ، وانها قد ازدادت في الساعات الماضية. ويضيف: "ابني تحت العلاج اليوم ومن المتوقع أن يخرج قريبا بانتظار نتائج الزرع والفحوصات، ولكننا "لحقناه على آخر نفس"، وسألنا الطبيب عن سبب تأخّرنا، وأبلغنا "بأن محمد كان على شفير الانهيار". ويضيف: "تواصل معنا وزير الصحة غسان حاصباني وأبلغني يأنه سيفتح تحقيقًا بالحادثة، وتواصل معي أحد المسؤولين في الضمان أيضا، ولكنني هنا أسأل ماذا ينفع التحقيق الان، وماذا سينفع اولئك الذين ينتظرون يوميًّا على ابواب المستشفيات ولا يملكون المال ولا الضمان ولا التأمين"؟.
سئم الشعب اللبناني وعود الحكّام، فالمريض لا يهمه إن كان وزير الصحة مسيحيًّا ام مسلمًا ولا يهمّه إن كان بفريق 8 أو 14 اذار، بل يهمّه أن يجد العلاج عندما يحتاجه، أن يجد موظفا يعمل بضمير كالموظف الذي ساعد محمد، لا أن يجد "الذلّ" على أبواب المستشفيات.