في ظل تطور الأحداث على الساحة السورية، قد يكون من المستغرب بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية، لا سيما تنظيم "داعش" وجبهة "فتح الشام"، أن تصل إلى الخلاصة التي كان أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله أول من حذرها منها، بعد أن رفضت الأخذ بالنصيحة قبل سنوات.

في شهر كانون الأول من العام 2012، وجه أمين عام "حزب الله" رسالة إلى تنظيم "القاعدة"، منبهاً فيها التنظيم من أنه وقع في "كمين" نصب له في سوريا، قائلاً: "لو فرضنا أن هذه الجماعات، التي تنتسب إلى "القاعدة" أو إلى فكر "القاعدة"، استطاعت أن تحقق إنجازاً ميدانياً في يوم من الأيام، فهي أول من سيدفع الثمن في سوريا كما دفعت الثمن في بلدان أخرى".

مع مرور الوقت، تبين أن هذه المجموعات لم تأخذ "النصيحة" الأولى على محمل الجد، لكن السيد نصرالله عاد ليتوجه لها برسالة ثانية، كانت في شهر آب من العام 2016، دعاها فيها إلى وقف القتال لمصلحة أميركا في المنطقة، "إذا كان ما زال لديها شيء من الإسلام ومن حب الرسول محمد ومن العلاقة بالقرآن".

ما بين الرسالتين، أشهر طويلة من المعارك التي خاضتها تلك المجموعات، نجحت في بعضها بالإنتصار إلا أنها في معظمها تلقت هزائم كبيرة، لكنها في المجمل عادت إلى نقطة الصفر، فهي أمام تراجعها على الصعيد الميداني، باتت العنوان الأول للحرب الدائرة على الساحة السوريّة، بعد أن تحولت إلى مواجهة دولية وإقليمية ضد الإرهاب، المتمثل بشكل أساسي بـ"داعش" و"فتح الشام"، وفي حين كان من الواضح أن التنظيم ذاهب إلى هذا المكان، سعت جبهة "النصرة"، أي الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، إلى تلميع صورتها عبر الإعلان عن فك إرتباطها مع التنظيم أولاً، ومن ثم السعي إلى الإندماج مع باقي فصائل المعارضة السورية ثانياً، إلا أنها فشلت في تحقيق الهدف الأخير، واليوم هي تشن الحملات العسكرية ضد حلفائها السابقين لحماية نفسها من الإستهداف في المستقبل القريب.

على هذا الصعيد هناك وقائع لا يمكن تجاهلها، أبرزها أن تلك التنظيمات أو الجماعات نجحت إلى حدّ بعيد في تحقيق بعض الأهداف المطلوبة منها، أي تدمير دول المنطقة وإشعال فتنة مذهبية واسعة، لكنها لم تتنبه إلى المرحلة الثانية من المعركة، التي ستكون هي الخاسر الأول فيها، أي عندما يبدأ العمل في البناء على أنقاض ما حققته، وهو ما يظهر بشكل واضح خلال المؤتمرات والإجتماعات الإقليمية والدولية التي تعقد لبحث الأزمة السورية، نظراً إلى أن أي جهة لا تستطيع أن تتبنى الأفكار والمشاريع التي يحملها "داعش" أو "النصرة"، ولا حتى تأمين الغطاء لها لكي تبقى بعيدة عن دائرة الإستهداف، بالرغم من التحجّج السابق بعدم القدرة على الفصل بينها وبين الفصائل التي تصنف "معتدلة".

بناء على ذلك، يمكن فهم الإجماع الحالي على تصنيف "داعش" و"النصرة" منظمات إرهابية ينبغي محاربتها، وهو الأمر الذي لم تعد فصائل المعارضة قادرة على رفضه في ظل الضغوط التي تمارس عليها من قبل القوى الداعمة لها، الأمر الذي دفع "فتح الشام"، في الأيام الأخيرة، إلى شن حملة عسكرية ضد مواقع ومراكز تلك الفصائل، لكن هذا الأمر لن يغير في المعادلة التي بات عليها التعامل معها بشكل دقيق، وهي أنها لن تنجح في الإبتعاد عن دائرة الإستهداف إلا بالإبتعاد عن الواجهة بشكل كامل، وفي حال رفضت ليس هناك من خيار أمامها سوى الإستمرار في المعارك التي لن يسمح لها بالإنتصار فيها مهما كان الثمن، لتكون النتيجة بأن من سمح لها بالنمو على الأراضي السورية يريد التخلص منها بعد أن أنجزت مصالحه، وهي تحولت إلى العدّو الأول، بالنسبة له، بعد أن كانت الحليف السري القادر على إنجاز ما هو عاجز عن تحقيقه في العلن.

بعد انتظار أشهر، وصلت تلك الجماعات إلى النتيجة التي كان قد حذرها أمين عام "حزب الله" منها، بالرغم من أنها تعتبره أحد أبرز أعدائها على مستوى المنطقة. ولكن لن ينفع الندم بعد فوات الاوان، فالخيارات أمامها باتت ضيقة جداً، رغم أنه من غير المتوقع أصلا أن تعيد حساباتها في المستقبل.