صدر عن ​البيت الأبيض​ منذ يومين، أنّ محادثات الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ والعاهل السعودي ​سلمان بن عبد العزيز​ تناولت اتفاقاً على تمويل مناطق آمنة في سوريا واليمن.

ترامب كان قد أكّد لقناة "ABC" أنّه سينشئ مناطق آمنة في سوريا.

ولم يستبعد وزير خارجية روسيا "​سيرغي لافروف​" إقامة تلك المناطق للنازحين إنما أكّد على أنه لا يمكن أن تُنشأ دون موافقة الحكومة السورية ومشاركة الأمم المتحدة.

واضح وبتصريح من المتحدث باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف" منذ أيام أن واشنطن لم تشاور الكرملين بشأن المناطق الآمنة في سوريا. كما حذّرت روسيا الولايات المتّحدة من تداعيات هذا الأمر.

أكّدت سوريا أنّ أيّ قرار بشأن مناطق آمنة لن يمر دون موافقة الحكومة السورية.

ماذا في الكواليس؟

في هذا السياق كان أعلن مصدر عسكري لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أنّ هذه الخطوة نتيجتها الحتمية هي: "الدفع بمزيد من القوات الجوية والبرية الأميركية، حيث ستكون الحاجة إليها ماسّة لإنشاء هذه المناطق".

ونتيجة ذلك، إن ّ ترامب بقراره هذا سيكبّد الولايات المتحدة الأميركية مزيداً من الأعباء المالية.

هل تتكفّل بها المملكة العربية السعودية؟ ما هي تفاصيل اتفاق التمويل المشترك الّتي لم تُدرَج بنودها بعد. ماذا عن تواجد القوات البريّة؟ هل يُعيد ترامب التجربة العراقية في سوريا؟ هل سيرضخ المجتمع الأميركي أمام هذه القرارات؟ أيقرأ ترامب التحذير الروسي بكلّ جوانبه الأمنية والسياسية والإقتصادية والاستراتيجية بين البلدين الروسي والأميركي؟

لا شكّ أنّ الرئيس الأميركي المثير للجدل يُدرِكُ تماماً كيفية اللعب على القرارات الدولية عبر تأجيج الإعلام ومعه الرأي العام العالمي.

طبعاً هو على يقين بكل تداعيات قراراته قبل اتّخاذها. فليس جديدا عليه أن يصرّح بأمر ويتراجع عنه بعد حين.

وبين الحين والغرّة يحقق مكاسب سياسيّة مغايرة وربّما إقتصادية.

في ظاهر المشهد، توافق أميركي روسي. فالرئيس الأميركي لم يدرج المملكة العربية السعودية ضمن لائحة الدول التي منع رعاياها من السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية. وهو يتشاور معها على تمويل المناطق الآمنة، يمنع الرعايا الإيرانيين. ويتوافق مع السعودية بشأن الإتفاق النووي.

هل يتغافل ترامب عن القانون الذي أجاز الادعاء على السعودية بشأن أحداث 11 أيلول الإرهابية؟

أم يتناسى مشروع القانون في الكونغرس الذي اقترح اعتبار تنظيم "الأخوان المسلمين" منظمة إرهابية؟ طبعاً لا. إنّ ما أعلنه ترامب ليس بقرار أميركي. في شباط من العام المنصرم، نشرت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية تقريراً لمحرر شؤون الدفاع فيها "كيم سينوغبتا" بعنوان: "السعوديون يريدون إرسال قوات بريّة إلى سوريا"، كشفَ خلاله أنّ اتفاقاً خليجياً-تركياً يعتزم إرسال قوات بريّة مشتركة خليجية وتركية إلى سوريا بقيادة سعودية؛ بهدف إنشاء مناطق آمنة وذلك بذريعة إنسانية هي حماية اللاجئين لا سيّما أن تركيا وبحسب قولها انها تعاني من تدفق النازحين إليها من حلب ومناطق أخرى. نفهم من ذلك أنّ ترامب يبارك قرارا خليجياً-تركياً ربّما لن يكبّده في الفعل سوى تبنّيه والدعم الإعلامي. طبعاً لا يفاجئ أحداً ترحيب قطر بقرار ترامب.

يبدو أنّ الإدارة الأميركية الجديدة تتسلّح بتأجيج الرأي العام العالمي في قضايا حسّاسة اجتماعية-أمنية، مقحمة عن قصد الأمم المتحدة كوسيلة لتسريع الحلّ السياسي في سوريا.

لا شكّ أنّ الترِكة التي خلّفها الرئيس السابق للولايات المتّحدة الأميركيّة باراك اوباما لترامب لن يحملها الرئيس الماهر بالاقتصاد، وهو الذي وضع خطة اقتصادية ساهمت في تحويل أصوات الفوز بالانتخابات الرئاسية إليه. هذه الخطة التي تضمّنت عدم تكبيد الولايات المتحدة نفقات في حروب خارجيّة هي أيضاً من الوعود الإنتخابية والتي نعتقد أنّه قريباً سيعلن وفاءه لها.

أمّا إذا كان الأمر على خلاف ذلك؛ لا شكّ أن حرباً ضروسًا ستلفّ سوريا مجددا ومعها المنطقة بمجملها.

احتمالٌ يبقى بعيداً. فالمؤشرات آيلة إلى حلول سلميّة بموافقة الحكومة السوريّة.

هل يسرّعها ترامب أم يخرّبها؟ الأيام القليلة المقبلة ستظهر ذلك. علماً، أنّ أي منطقة آمنة غير محدّدة جغرافيا وأمنياً وإدارياً من الإدارة السوريّة ستتحوّل لا شك إلى بؤر مسلحة إرهابيّة في السرّ أو العلن؛ كما إلى مناطق تفخيخ ربّما تستهدف أحزمتها الجميع. ولا شكّ أيضاً في المقلب الآخر أنّ ذلك ليس من مصلحة رعاة المناطق الآمنة المتفرّدين بالقرار.

تجربتنا التاريخية في لبنان "للمناطق الآمنة" غير الخاضعة مباشرة لأمن الدولة؛ شاهدة على ذلك.