على ضوء المشاورات والإتصالات القائمة، حول القانون الذي ستجري على أساسه ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة، هناك صراع خفيّ بين الأفرقاء لا يمكن تجاهله لفهم حقيقة ما يجري، لا سيما لناحية إصرار البعض على بقاء القانون الحالي، الذي يؤمن لهم عدم خسارة مقاعد حصلوا عليها، في الدورات الإنتخابية السابقة، من دون وجه حق، مقابل رفض قوى أخرى هذا الأمر بشكل مطلق.

قبل العام 2005، كانت التركيبة الحاكمة في لبنان قائمة على إستبعاد أبرز المكونات المسيحيّة، أي "التيار الوطني الحر" وحزب "​القوات اللبنانية​"، حيث كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في المنفى ورئيس "القوات" سمير جعجع في السجن، لكن بعد عودتهما إلى الساحة السياسيّة تبدّل المشهد بشكل عام، إلا أن الإنقسام بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، منع توحدهما في معركة الضغط لإقرار قانون إنتخاب يؤمن صحة التمثيل على مستوى المقاعد المسيحيّة.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التوافق بين "الجنرال" و"الحكيم"، على وقع أزمة الشغور الرئاسي، كان نقطة مفصلية على هذا الصعيد، في ظل المعلومات عن أن الأمر سينطبق على الإنتخابات النيابية، التي ستخاض بلوائح موحّدة في أغلب الدوائر، وبالتالي بات هناك مصلحة مشتركة بالمطالبة بإقرار قانون جديد يعيد لهما القدرة على حصد العدد الأكبر من المقاعد المسيحيّة، في حين أن هناك أفرقاء، خصوصاً تيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، يسعيان للتقليل من الخسائر أكبر قدر ممكن، الأمر الذي يفرض عليهما التمسك بقانون الستين.

من وجهة نظر هذه المصادر، فإنّ مشكلة غالبيّة القوى السياسية، التي حكمت في المرحلة التي تلت إتفاق الطائف، أنها لا تريد التسليم بالواقع الجديد بأي شكل من الأشكال، وترفض الإقتناع بأن الأمور لا يمكن أن تدار كما كان الواقع في الفترة السابقة، وبالتالي عليها العودة إلى القبول بالحجم الحقيقي لتمثيلها في مجلس النواب، بدل الحصول على مكاسب إضافية من خلال قوانين الإنتخاب، لا سيما أن التجربة التي رافقت الإنتخابات الرئاسية لا تسمح لها بالبقاء على موقفها الحالي.

على هذا الصعيد، تعتبر المصادر نفسها أن هذه القوى لا تزال تراهن على إمكانية الوصول إلى موعد الإنتخابات من دون الوصول إلى قانون جديد، متجاهلة الوقف الصارم الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية في هذا الصدد، لناحية الإستعداد للذهاب نحو الفراغ لمنع إجراء الإستحقاق على أساس الستين أو تمديد ولاية المجلس الحالي، كما أنها تسعى بالتزامن إلى إطلاق حركة سياسية معارضة لأي إقتراح لا يؤمن لها نفس نتائج القانون الحالي، وهناك حديث عن إمكانية إطلاق تحركات شعبية لتحقيق هذا الهدف.

في ظل هذا الواقع، تشرح مصادر متابعة للإتصالات، عبر "النشرة"، التوازن القائم، حيث تشير إلى أن موقف كل من رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط ورئيس الحكومة سعد الحريري معروف، لناحية تفضيلهما الستين، في حين أن كل من "حزب الله" و"حركة أمل" لا يعارضان الذهاب نحو آخر جديد مع الحرص على عدم التخلي عن حلفائهما، في حين كان هناك مسعى من جانب التيار "الوطني الحر" للوصول الى صيغة تقوم على أساس الحفاظ على الأقوياء ضمن طوائفهما، بشكل يرضي "المستقبل" و"الإشتراكي".

وتشدّد هذه المصادر على أن هناك صعوبة في معالجة هذه المعضلة، مع وجود معايير موحّدة ينطلق منها البحث، بل أن أغلب الأفرقاء يسعون إلى تأمين مصالحهم قبل أي أمر آخر، وتلفت إلى أن المشكلة بأن هناك من يرفض التنازل عن مكاسب يعتبرها الفريق الآخر حقا له، بينما الجميع غير قادر على التراجع نظراً إلى أن التداعيات ستكون كبيرة على واقعه الشعبي.

في المحصّلة، إنّ الصراع حول قانون الإنتخاب يخفي إشتباكًا بين نوعين من الأفرقاء السياسيين، الأول موجود في السلطة منذ سنوات بينما الثاني يسعى إلى حجز موقع وازن له، في حين أن المطلوب طرح خيارات تؤمن صحة وعدالة التمثيل بعيداً عن لعبة المصالح.