منذ اليوم الأول لدخوله ​البيت الأبيض​، أثبت الرئيس الأميركي الجديد ​دونالد ترامب​ أن سنوات عهده ستكون فعلاً مثيرة للجدل، كما كانت كل التوقعات خلال حملته الإنتخابية، لا سيما على مستوى الأزمات الدموية في منطقة الشرق الأوسط، أولاً من خلال قرار منع رعايا دول عربية وإسلامية من الدخول إلى الولايات المتحدة، وثانياً عبر تأكيده أن بلاده تسعى إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا.

وفي ظل الضجة الإعلامية، التي ترافق جميع الأفعال والقرارات الصادرة عن الرئيس الأميركي، لا سيما أن غالبيّة المؤسسات الإعلامية الأميركية والعالمية معارضة له، هناك الكثير من الأسئلة حول مستقبل الأحداث السورية، بعد أن كان الجميع يتوقع أن يذهب ترامب إلى إتفاق سريع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذا الصعيد، تحت عنوان محاربة الإرهاب وعدم السعي إلى تغيير الأنظمة.

على هذا الصعيد، يبدو أن الرئيس الأميركي يريد تكرار اللعبة التي قام بها الرئيس الروسي في الفترة السابقة، أي تلك التي كانت فاصلة بين إنتخاب ترامب وتسلمه السلطة، حيث نجح بوتين حينها في قلب موازين القوى في الميدان السوري، عبر إنجاز تحرير مدينة حلب الإستراتيجية، التي تعتبر العاصمة الثانية لسوريا، بالإضافة إلى جذب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى جانبه، الأمر الذي تُرجم من خلال مؤتمر الآستانة، الذي جمع وفدين من الحكومة والمعارضة برعاية مباشرة من أنقرة وموسكو وطهران، وكان من المتوقع أن يستفيد من هذا الواقع في أي مفاوضات مع القيادة الأميركية الجديدة، إلا أن ترامب يسعى إلى إعادة التوازن مع موسكو، قبل لقائه مع بوتين، كي لا يجلس على طاولة المباحثات من موقع الخاسر.

من هذا المنطلق، جاءت دعوة الرئيس الأميركي إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا، خلال إتصاله الهاتفي مع الملك السعودي ​سلمان بن عبد العزيز​، فهو يدرك جيداً أن الرياض غير راضية عن مسار المفاوضات الذي تقوم به أنقرة مع طهران وموسكو، وبالتالي يريد الإستفادة من دورها في تحقيق أهدافه لا سيما أنهما يتشاركان العداء لإيران، مع العلم من أنه في السابق كان قد أعلن أنه يريد أن تدفع البلدان الخليجية ثمن الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة لها، وكان البعض يتوقع أن يكون هناك تداعيات سلبية لوصوله إلى البيت الأبيض على العلاقات السعودية الأميركية.

في هذا السياق، يمكن القول أن ترامب يريد أن يفرض توازن قوة مع موسكو على الساحة السورية، قبل الإنطلاق نحو التحالف أو التعاون في محاربة التنظيمات الإرهابية مع أي جهة، وهو سيعمد للإستفادة من حلفاء واشنطن في المنطقة لتحقيق هذا الهدف، عبر تأمين الغطاء الجوّي لهم لفرض المناطق الآمنة التي يريدها، مع العلم أن الإدارة السابقة بقيادة الرئيس باراك أوباما لم تكن بعيدة عن هذا التوجه إلا أنها لم تكن تعلن عنه بشكل واضح.

في هذا الإطار، يأتي دور قوات "حماية الشعب الكردي"، الحليف الأبرز لواشنطن على أرض الواقع، والتي تسعى إلى إقامة كيان خاص بها في شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى دور المكونات العربية المنضوية في صفوف "قوات سوريا الديمقراطية"، ومجموعات "الجيش السوري الحر" الناشطة بالقرب من الحدود الأردنية في جنوب البلاد، وهنا لا يمكن إهمال المعلومات التي تحدثت عن رغبة عمان في حجز موقع لها، إذا ما تطورت التفاهمات على مستوى إنطلاق مشروع المناطق الآمنة، بالإضافة إلى تصريح زعيم ومؤسس "تيار الغد" المعارض أحمد الجربا، المقرب من الرياض، عن ثلاثة آلاف مقاتل تحت قيادته يتلقون تدريباً، مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، استعداداً للمشاركة في حملة عسكرية ضد تنظيم "داعش" في معقله بمدينة الرقة.

بناء على ذلك، ستكون دمشق أمام ثلاث مناطق آمنة واضحة المعالم: الأولى تلك التي تسيطر عليها أنقرة عبر عملية "درع الفرات"، الثانية تلك التي تسعى واشنطن إلى إقامتها على الحدود الأردنيّة، أما الثالثة فهي التي يجري الإعداد لها منذ مدة عبر عملية تحرير الرقّة، التي كُلفت "قوات سوريا الديمقراطية" من قبل واشنطن بعزلها عن محيطها، بينما يتحدث الجربا اليوم عن 3000 مقاتل لخوض المعارك فيها، بهدف عدم إغضاب أنقرة التي ترفض مشاركة الأكراد في طرد "داعش" منها.

في ظل هذا الواقع، تعود المخاوف من المخططات السابقة التي كانت تتحدث عن بناء شرق أوسط جديد، بالإضافة إلى الأحاديث عن أن إنتهاء مفاعيل إتفاقية سايكس بيكو التي رسمت الحدود السياسية لدول المنطقة، بالتزامن مع نمو ظواهر الإنفصال والإدارات المحلية، ولكن هل تستسلم موسكو وطهران ودمشق لهذا التحوّل الجديد؟