لم يكد لقاء الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ بالملك ​الأردن​ي ​عبدالله الثاني​ ينتهي حتى عاودت طائرات المملكة الهاشمية استهدافاتها لمواقع المتشددين المسلحين على الحدود الاردنية-السورية بعد غياب اكثر من عام. رغم ان اللقاء بين ترامب وعبدالله مرّ بسرعة في قاعة، لا في البيت الأبيض. أحال الرئيس الاميركي العاهل الأردني الى وزير دفاعه. بدا المطلوب من المملكة الهاشمية دوراً محدداً: محاربة الإرهابيين ومنع استقرارهم على حدود الاردن المتصلة بالجنوب السوري. ما يعني ان قرار البيت الأبيض حاسم في محاربة التطرّف الاسلامي في كل الاتجاهات وعبر كل الوسائل.

للأردن مصلحة في اعادة تفعيل دوره من خلال محاربة الإرهابيين المنتشرين على حدود المملكة. هم يتمتعون ضمناً ببيئة حاضنة لهم رغم كل الإجراءات الاردنية.

شعرت عمَّان ان مؤشرات بالجملة تتضح في المنطقة. هي انطلقت من قرار العهد الاميركي الجديد بشن حملة متشعبة على التطرّف الاسلامي لاستلحاق نفسها. تستطيع ان توظّف المملكة القرار الترامبي في ضرب خلايا متشددة عدة تنام داخل الاردن وفي مخيمات اللاجئين السوريين. لم يعد للأردن مصلحة في الستاتيكو القائم على الحدود مع سوريا منذ سنوات. صارت جبهة النصرة تشكّل خطرا ايضا، كان محصوراً سابقاً بتنظيم داعش. ومن هنا يسلط الاعلام الأردني الضوء في هذه الأيام على خطر التطرّف الكامن في "النصرة" و"داعش". التوجه الأردني الجديد قد يستولد استفزازاً لجماعة "القاعدة" المتواجدين على أراضي المملكة. لكن الملك عبدالله يتحرك بناء على رغبة اميركية لمحاربة المتشددين مطمئناً الى الدعم الاميركي المفتوح.

يلاحظ تنظيم "القاعدة" ان ترامب قرر استئصاله. بدا ذلك في عملية اليمن التي اخفق خلالها الأميركيون في تحقيق اهدافهم. لم تستطع القوة الاميركية جمع الأدلة والمعلومات الحسيّة او أسر قيادات القاعدة في البيضاء. كانت العملية تهدف للقبض على أروى البغدادي حيّة وهي قيادية في القاعدة. أراد الأميركيون أسرها في عمليتهم الفاشلة، فقُتلت.

شمتت قيادات القاعدة بترامب، كما ورد في تسجيل صوتي نشره موقع "الملاحم" التابع للتنظيم، قال فيه قاسم الريمي إن ترامب، الذي وصفه بـ"أحمق البيت الأبيض"، تلقى "صفعة" مؤلمة في أول مشوار له باليمن ولم يستفد من خسائر الأميركيين السابقة في أفغانستان والصومال واليمن.

المعركة مفتوحة بين الأميركيين في مواجهة القاعدة في اليمن، وبين الأميركيين والروس والايرانيين والسوريين من جهة، وداعش والنصرة في سوريا. الامر نفسه ايضاً في العراق.

يركز ترامب على معاركه ضد الإرهابيين المتطرفين. هي عنوان مسيرته منذ وصوله الى البيت الأبيض. لكن كيف يمكن لترامب ان ينجح في حربه ضد مجموعات أصبحت خبيرة في شؤون الميدان وأفضل تدريباً وقتالا، في وقت قرر فيه ان يخوض معاركه السياسية والاقتصادية ضد الصين وإيران؟

التعاون الاميركي مع الصين او ايران هو حاجة ضرورية لمحاربة القوى المتطرفة. هناك مصلحة مشتركة بين هذه الأطراف للقضاء على القاعدة وداعش ومتفرعاتهما. بمجرد وضع ترامب ايران في كفّة القوى المتطرفة والاستناد الى واقعها الاسلامي لمحاربتها سياسيا واقتصادياً يعني اجبار طهران على التحالف مع تلك القوى. من هنا يتوقع محللون سياسيون في الغرب تعاونا محتملا بين ايران والقاعدة. لكن تلك القراءة ليست في مكانها استنادا الى حروب اليمن وسوريا والعراق. طهران تدعم وتؤازر الجيش السوري ضد "داعش" و"النصرة"، والعراقيين ضد "داعش"، والحوثيين في اليمن ضد "لقاعدة".

يتفرج الروس على التصرفات الترامبية. هي تفيدهم اكثر مما تضر بمصالحهم.

اولا: اجبر الرئيس الاميركي الاردن على ضرب الاٍرهاب على حدود المملكة مع سوريا. يُعتبر الامر بمثابة ضغط على مسلحي الجنوب السوري تستفيد منه روسيا.

ثانياً: حرب الأميركيين ضد القاعدة في اليمن يعزز الرؤية الروسية في معارك موسكو ضد المجموعات المتطرفة، ويضع واشنطن في الواجهة الميدانية بدل ابقاء روسيا وحدها.

ثالثا: الضغط الترامبي على طهران يؤدي الى تنازلات إيرانية امام روسيا في سوريا للحفاظ على الحلف.

رابعاً: يجري التعاون بين الأميركيين والروس وضمنا الأتراك في العمليات الجوية ضد الإرهابيين في شمال وشرق سوريا. كله يخفف من الضغوط الميدانية على القوات الروسية والسورية ويسرّع في إنجازات الميدان. فلننتظر ماذا سيحصل في الباب مثلا.

سرعة القرارات الترامبية قد تؤدي الى حصول تحالفات مفاجئة في المنطقة، او تستولد له مزيداً من الأعداء. ايضا لا يمكن الا الانتظار.