برزت منذ اشهر قليلة نية واضحة لدى النائب ​وليد جنبلاط​ في التخلي عن الحياة السياسية الرسمية وتسليمها الى نجله تيمور، حتى انه قال انه سيقدّم استقالته من مجلس النواب تمهيداً لوراثة ابنه مكانه في البرلمان ومنه الى الحياة السياسية التي سيبتعد عنها جنبلاط شيئاً فشيئاً. ولكن، ما حصل منذ ايام قليلة في الحزب التقدمي الاشتراكي، والمواقف التي اطلقها وليد جنبلاط حول قانون الانتخاب، اعطت صورة مغايرة لهذا الواقع.

فباعادة انتخابه رئيساً للتقدمي، واصراره على "المحاربة" على جبهة الانتخابات النيابية، ارجأ جنبلاط عملية التوريث الى موعد آخر يعلن عنه في حينه، لانه لَمَسَ لَمْس اليد ان المشاكل التي تلقي بنفسها على لبنان، ليست معتادة بل جديدة، خصوصاً في ظل البيئة الجديدة ايضاً التي باتت تحيط بهذا البلد على الصعيدين الاقليمي والدولي، وخريطة التحالفات الداخلية التي خلطت الافرقاء ووضعت طبخة سياسية جديدة على نار حامية.

وجد جنبلاط على ما يبدو انه لا يستطيع توريث تيمور مشاكل الحزب الداخلية من جهة، والعوائق التي تعترض التمثيل الجنبلاطي على الصعيد النيابي من جهة ثانية، لذلك اعتمد على نفسه وعلى "الحرس القديم" للحزب ليقوم بحملة مضادة تهدف الى اعادة صورته القديمة التي لطالما كانت حاضرة في اذهان السياسيين واللاعبين الاقليميين والدوليين بأنه "بيضة القبّان". سيعاني جنبلاط كثيراً للعودة الى هذا الدور، فالقبّان السياسي في لبنان تغيّر بشكل كبير، ولكن هذا لا يعني ان الزعيم الدرزي لن يجد طريقه نحو تثبيت رجليه في اي معادلة جديدة تفرض نفسها، لذلك تراه اليوم يطرق كل الابواب من اجل الوصول الى قانون انتخابي قادر على تلبية ما يطمح اليه من تمثيل وازن في مجلس النواب، ليس للدروز فقط، بل للحزب الاشتراكي بشكل خاص. ويمكن القول أن جنبلاط يلقي حالياً بثقله للخروج بنتيجة ايجابية لجهوده، وهو لذلك بحاجة الى خبرته الطويلة والحنكة التي امتاز بها في التنقل بين الحبال للتعلق بالثابت منها وترك المتهالك، وهو امر ليس بمقدور تيمور القيام به.

ترؤس جنبلاط مجدداً لحزبه ليس من باب المفاجأة، ولكنه اخذ قراره بترتيب البيت الداخلي، ليحارب على جبهة واحدة خارجية، فلن يكون هناك من مجال في الحزب حالياً للانقسام او للتفاخر بالاموال والنفوذ او لفتح خطوط اقليمية مباشرة خارج القيادة، هذه الامور كلها اصبحت تحت المجهر ولن يتم العودة اليها مجدداً في المدى المنظور، لان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يرى ان التلهي بهذه المسائل يقوّض قوة الحزب ويخفف من قدرته على المطالبة بما يرغب في تحقيقه، وفي اعادة الدور الاشتراكي في المعادلة السياسية اللبنانية.

من المتوقع حتماً ان يلجأ جنبلاط الى صديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري لبحث الموضوع ومحاولة ايجاد ارضية ثابتة يمكن البناء عليها للمرحلة المقبلة وبالأخص على ابواب الانتخابات النيابية، كما انه سيعمل على اعادة تقوية اواصر العلاقة مع رئيس الحكومة سعد الحريري للهدف نفسه. ولكن العائق الابرز الذي سيصطدم به جنبلاط، هو المكوّن المسيحي في ظل الخيار الذي اعتمده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والاتفاق الذي جمعه بالقوات اللبنانية وهما المكوّنان الرئيسيان الذي يحيطان به في الدوائر الانتخابية التي يتواجد فيها سياسياً وشعبياً، ولن يكون من المستبعد ان يحمل جنبلاط مجدداً لواء المصالحة في الجبل للتذكير بأنه مع العيش المشترك وان بقاء قوته السياسية من شأنه ان يرسّخ اكثر فأكثر هذه المصالحة، وسيعمد ايضاً الى الحصول على دعم من بكركي في هذا السياق.

باختصار، وجد جنبلاط ان التعقيدات اكثر واكبر من ان يواجهها تيمور، فأعاد الامور الى الوراء، وقرر خوض غمار المعركة السياسية بنفسه علّها تكون الاخيرة له قبل ان يصبح بامكانه تسليم نجله المهمة.