على وقع التطورات القائمة على الساحة السوريّة، لا سيما في ريف حلب الشمالي، يرتفع منسوب الخطر الأكبر من نوعه على صعيد منطقة الشرق الأوسط، أي الصدام بين الجيشين السوري والتركي، نظراً إلى أنهما يتسابقان للوصول إلى مدينة الباب الإستراتيجية، التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، بالرغم من إرتفاع مستوى التنسيق القائم بين أنقرة وموسكو في الفترة الأخيرة.

وفي ضوء التفاهمات الدولية والإقليمية، لا سيما تلك الناجمة عن مؤتمر الآستانة، هناك شبه توافق على أن تكون مناطق سيطرة تنظيمي "داعش" وجبهة "النصرة" على ساحات الحرب المفترضة، بسبب وقف إطلاق النار القائم بين ​الجيش السوري​ ومجموعات المعارضة المسلحة، وبالتالي أي فريق يسعى إلى تعزيز أوراق قوته يذهب إلى فتح الجبهات المشتركة مع التنظيمين المذكورين.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أهمية إستعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة حلب، التي سمحت له بالإنتقال إلى جبهات أخرى، منها مدينة الباب التي يتسابق عليها مع فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من ​الجيش التركي​، بعد أن كانت أنقرة قد وضعت الباب سقفاً لعملية "درع الفرات"، حيث أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد أعلن، في 26 تشرين الأول من العام الماضي، أن العمليات في سوريا تهدف لتأمين السيطرة على بلدتي الباب ومنبج، مشيراً إلى أن "حلب ملك لأهلها"، وهذا الموقف جاء بعد تحذير الجيش السوري أنقرة من مغبة أي تقدم نحو مواقعه في شمالي وشرقي حلب.

على هذا الصعيد، تشير مصادر متابعة لسير المعارك، عبر "النشرة"، إلى أن الباب كانت هدفاً لثلاث قوى أساسية، الجيش التركي والجيش السوري و"​قوات سوريا الديمقراطية​"، وتلفت إلى أن تراجع الأخيرة عن الدخول في هذا السباق يعود إلى غياب الضوء الأخضر الأميركي، نظراً إلى أن واشنطن طلبت منها، بعد طرد عناصر "داعش" من مدينة منبج، العودة إلى شرق الفرات للتحضير لمعركة حصار مدينة الرقة، خوفاً من إغضاب أنقرة التي كانت تبتعد في مواقفها عن الولايات المتحدة وتقترب من روسيا، وتضيف: "رغم المعارضة الكردية في البداية، لم يكن أمام هذه القوات إلا الإلتزام بالطلب الأميركي، بسبب عدم قدرتها على خوض المواجهة من دون غطاء جوي".

وتوضح المصادر نفسها أن أنقرة كانت تشعر بأنها القوة الوحيدة القادرة على الوصول إلى المدينة، نظراً إلى إنشغال الجيش السوري بالمعارك الدائرة في حلب، لكن بعد الإنتهاء من تلك المعارك عمدت دمشق إلى التركيز على هذه الجبهة، لمنع تركيا من تحقيق أهدافها، والسعي إلى تحجيم دورها السياسي في المرحلة المقبلة، في وقت كانت واشنطن وموسكو تعملان على تقديم المساعدة إلى الفصائل العاملة في "درع الفرات"، من خلال الضربات الجوية التي تستهدف مواقع ومراكز "داعش" في الباب.

في المشهد الميداني، "داعش" بات اليوم محاصراً بالكامل في الباب، بالرغم من أن أنقرة عانت كثيراً في تقدمها، في الجهة الجنوبية هناك الجيش السوري ومن الشرق والشمال والغرب هناك الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وبالتالي من الممكن توقع حصول أي صدام بين الجانبين في حال لم يكن هناك من إتفاق على إدارة المعارك في هذه المدينة.

من وجهة نظر المصادر المتابعة، لا يمكن الحديث حتى الساعة عن وجود إتفاق غير معلن بين أنقرة ودمشق بأي شكل من الأشكال، في ظل التهديدات التي تطلقها الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا بأنها لن تتخلى عن الباب حتى لو كان الثمن الصدام مع الجيش السوري، في حين أن القيادة السورية تعتبر أن "درع الفرات" غير شرعية، وتصف التواجد التركي على أراضيها بـ"الإحتلال"، إلا أن هذا لا يمنعها من الإشارة إلى إمكانية وجود تفاهم بين موسكو وأنقرة حول المدينة، لا سيما أن الطيران الروسي ينفذ عمليات جوية مشتركة مع الطيران التركي في هذه المعركة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، لا يمكن توقع الصدام بين الجيشين السوري والتركي في الوقت الراهن، نظراً إلى أن التداعيات ستكون خطيرة جداً، وتعتبر أن الدور الروسي من الممكن أن يكون ضامناً على هذا الصعيد، بسبب العلاقة التي لديه مع الجانبين، وتضيف: "لن يغامر أحد بالوصول إلى هذه المرحلة، خصوصاً أن الجميع يعمل على إطلاق المفاوضات السياسية، بالتزامن مع تحوير وجهة المعارك إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية".

في المحصلة، "داعش" محاصر اليوم في الباب، لكن لا أحد قادر على حسم الجهة التي ستدخل إلى المدينة، في ظل السباق القائم بين أنقرة ودمشق، إلا أن المرجح هو عدم وقوع الصدام بين الجانبين مهما كانت النتيجة.