يروي مصدر سياسي بارز لـ«البناء» ظروف زيارة النائب وليد جنبلاط الى سورية بعد اغتيال الحريري بسنوات عام 2010. وهي الزيارة التي فاجأت الجميع حينها، حيث بدأ السؤال حول انعطافة جنبلاط وما وراءها وعما اذا كانت ثابتة أو تكتيكاً ظرفياً، فيقول «لم تكن سورية مستعدّة لمصالحة الوزير جنبلاط، ولم تكن في وارد هذه الخطوة، لأنها جاءت بعد أعوام على اتهامها من قبل المجتمع الدولي وجنبلاط نفسه باغتيال الحريري، وانكشاف الملف الدولي الكبير المحضَّر لها، وقد ترجم بإخراجها من لبنان بقرار 1559. الزيارة لم تعد مادة هامة بالنسبة للدولة السورية ولا قيمة مضافة قادرة على تحسين واقع سورية الدولي والإقليمي. وليد جنبلاط في ذلك الوقت كان هو مَن يحتاج المصالحة وليس سورية، وعلى هذا الاساس حصلت وساطة من حزب الله في هذا الإطار عمل فيها على اقناع الرئيس السوري باستقبال جنبلاط في وقت ردّت سورية بأنها لا تجد في هذه الخطوة أهمية بالنسبة اليها، لكنها مستعدة للقيام بها في حالة واحدة «فقط» وهي أن تكون هذه الخطوة حاجة أو ضرورة بالنسبة لحليفها حزب الله محلياً. وعند هذا فإنها ستتفهم جدوى الطلب أو الوساطة، وإلا فان هذه الزيارة لن تعود بالفضائل الكثيرة عليها».

هذا الواقع تعيشه الاحزاب السياسية التي قررت الانخراط ضمن حيثية الدولة اللبنانية الرافعة لواء سياسة «التوافق» أو الوفاق الوطني بعد مرحلة من التشنج الكبير الذي كلّف لبنان أكثر من عشر سنوات من الاهتزاز السياسي والأمني ويجسّد بهذا الإطار الكلام عن مصالحة بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية الحالة الأكثر تناقضاً أو صعوبة منها الى غيرها من الحالات القادرة على إيجاد قواسم مشتركة بشكل أسرع من أجل التوصل الى حلول. وبعيداً هنا عن شروط الطرفين اذا وجدت في وقت يوحي بها البعض عبر رسائل ضمنية وبعيداً عن تساؤلات عن توضيح مفاهيم وعناوين أساسية بينها «العلاقة مع إسرائيل, سلاح حزب الله, النظرة لقتال التكفير, العلاقة مع سورية وغيرها, فإن أهم ما يمكن ان يعزز فيمة الطرح هو البحث في فوائده وأضراره لمعرفة القدرة على الوصول الى حلول بالنسبة للطرفين».

عملياً، لا يبدو أن حزب الله مستفيد من اي مصالحة مع القوات اللبنانية الا بالشكليات التي تفرضها الحالة العامة بالبلاد التي تحبذ بالتأكيد المصالحات على المناكفات، لكن بالواقع فإن لا مصلحة لحزب الله من أن يفتح أبواباً من التساؤلات وإثارة الشكوك عند الرأي العام الذي يمثله في مسألة الاطمئنان إلى أن أي علاقة مع القوات اللبنانية ستكون استراتيجية أو ثابتة لا تتقلّب مع أي اهتزاز أو رغبة دولية. انتخابياً لا حاجة أو غاية تدفع الحزب الذي تعتبر مناطقه بعيدة جغرافياً، حيث الثقل الشعبي له بين الجنوب والبقاع وضاحية بيروت أبعد المستفيدين من اي مصالحة، بالتالي تنتفي المصلحة الانتخابية بطبيعة الحال, امّا في ما يتعلق بكسر مسألة «العزل» الذي توجس منها حزب الله محلياً وقد عملت القوى الدولية على عزله ووضعه بمصاف القوى المتطرّفة دينياً، فإنه مطمئن لما للعلاقة مع التيار الوطني الحر من متانة واستراتيجية من أهمية فينسف هذا المخطط. فحزب الله الشيعي أحد أكثر الاطراف المرغوبة عند جزء كبير من موارنة لبنان المسيحيين.

أي مصالحة بين حزب الله والقوات اللبنانية لا تشكل مصلحة جدية عند الحزب، في وقت تشكل مصلحة وضرورة لحزب القوات اللبنانية التي يطمح رئيسها سمير جعجع لتشكيل حاضنة المسيحيين في المستقبل، بعد عهد الرئيس عون والوصول الى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية. وهو الأمر الذي وجده أمراً واقعاً لا يمكن أن يتم من دون التقارب مع حزب الله، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن أي مصالحة من هذا النوع تشكل دفعة كبيرة لشعبية وحيثية جعجع التي ستكرّسه زعيماً على مستوى عالٍ من المسؤولية والوطنية إضافة الى ضرورة أن تعزز القوات اللبنانية موقعها الجديد مستفيدة من العودة للحضن المسيحي الذي أصبح عون رمزاً له في المنطقة استناداً الى واقع المتغير الكبير في الحضور الروسي الداعم للمسيحيين القادر على إرساء التوازنات بين المتناقضات الدينية فيها.

حالة واحدة فقط قادرة أن تأخذ حزب الله نحو المصالحة مع القوات بعد أن يبدد هواجس حلفائه عموماً, هي أن «يكون لحليفه المسيحي الاول الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر «مصلحة» في ذلك، وأن تكون هذه الخطوة مكسباً له على الساحة المسيحية، وبالتالي فإنها لن تتم بدون رعايته عون كتحصيل حاصل أو الإعلان عن رغبته في ذلك..

تبدو القوات اللبنانية وعلى غير عادة مستعدّة لإرسال اشارات الودّ أو الرغبة بالتطبيع لجهة القدرة على كسر الجليد على مستوى التواصل اليومي الطبيعي بينها وبين حزب الله، في وقت يبادلها الحزب مستوى تعاطٍ طبيعي مع كل مَن يتعاطى الشأن العام. ويقول نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في هذا الإطار لـ«البناء» إن تعاطي حزب الله مع القوات اللبنانية في المرحلة الراهنة لا يتعدّى مستوى ما تفرضه الضرورة في مؤسسات الدولة، وما تفرضه من تلاقٍ بين الوزراء والنواب والتعاطي بشكل طبيعي، وأي نوع من المصالحة ليس مطروحاً «حالياً» حتى ولو «مدّت» القوات اللبنانية يدها أو بادرت نحو ذلك.