يقف اليمنيون على مشارف نهاية عامين من التوحُّش الأممي، بأيدٍ عربية، بالتحالف مع العدو الصهيوني والأميركي، وصمت دولي مريب.. صمد اليمنيون وصبروا على جثث أطفالهم الممزَّقة، وعلى تراثهم التاريخي الذي تمّت إبادة أكثره ولم يتحرك الشيخ القرضاوي وأشباهه لحمايته كما تحرّك من أجل حماية تمثال بوذا في أفغانستان، وأفشل أبطال اليمن مقولة الناطق باسم العدوان السعودي بأن اليمن ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة، وبدل أن يسقط اليمن سقط التحالف وقيادته، وسقطت الأقنعة عن كل مؤسسات الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

كان اليمن في القبضة السعودية قبل الثورة، وتعاملت الرياض معه باعتباره الحديقة الخلفية لها، فاغتصبت أراضيه مقابل عمل اليمنيين، واعتبرت نفسها السيد - الملك و"اليمنيون عبيدها المتخلفون"، وساومتهم على فقرهم لتقييدهم، وهم أهل الإسلام والحضارة، وافترضت أن العدوان سيكون نزهة في جبال اليمن ومدنه التاريخية،علّها تعلن نفسها دولة عظمى في الإقليم؛ تمتد جغرافيتها من بحر العرب إلى الخليج، وتبسط سيطرتها على الأمة، بعد انتصار التكفيريين من "القاعدة" و"داعش" وأخواتهما في سورية والعراق، ليصبح المذهب الوهّابي دين الأمة على أنقاض المذاهب الأربعة من السُّنة، وتكفير الشيعة والزيدية وكل الفرق الإسلامية.

لكن ماذا جنت السعودية بعد عامين من العدوان:

1- انكسار معنوي، وذهاب الهيبة، وتأكيد الفشل العسكري، وتسخيف صفقات السلاح الأسطورية التي كانت هزيمتها مدوّية بتفجير البارجة السعودية بالصواريخ اليمنية، والتي أثبتت كفاءة اليمنيين، إضافة إلى صبرهم وصمودهم.

2- تقدُّم الجيش واللجان الشعبية في الأراضي السعودية بدل أن تتقدم القوات السعودية في اليمن.

3- الزلزال الاقتصادي في الداخل السعودي؛ من زيادة تعرفة الكهرباء، ورسوم الحج والعمرة، وتخفيض البعثات العلمية، وإلغاء أو تجميد المشاريع الكبرى.

4- الاستدانة الخارجية والداخلية، واستنزاف الاحتياط المالي، والقبول بخفض إنتاج النفط لزيادة الأسعار، وطرد عشرات الآلاف من العمال الباكستانيين وغيرهم.

ويبقى السؤال: ماذا ربح اليمنيون؟

قد يقول البعض إن الخسارة اليمنية فادحة ولا تعوَّض طيلة عامين من القصف والقتل، والتي أعادت اليمن إلى ستينيات القرن الماضي نتيجة تدمير البنى التحتية، مع عشرات آلاف الجرحى والشهداء والفقر والجوع، وهذا صحيح بسبب همجية العدوان، لكن الجواب أن اليمنيين كانوا ضحايا العدوان ولم يبدأوا بالقتال، إلا لأنهم دافعوا عن وطنهم واستقلالهم وتهميشهم، فتحوّلوا من حفاة فقراء وحديقة خلفية للسعودية، إلى شريك في تقرير مصير السعودية والجوار، وامتلاك قرار الاستقلال والسيادة لبناء اليمن الموحَّد، واستثمار ثرواته الكبيرة من النفط وغيرها، والتي تسعى السعودية ومن خلفها أميركا و"إسرائيل" لسرقته كما يُسرق النفط السعودي الذي يشارف على الجفاف بعد عقود قليلة.

بدأت الحرب والطائرات السعودية تقصف صنعاء وكل المدن اليمنية، وبعد عامين وصلت الصواريخ اليمنية إلى العاصمة السعودية الرياض بفارق جوهري أن السعودية قصفت المدنيين، والصواريخ اليمنية قصفت القاعدة العسكرية، التزاماً بالمبادىء والقيَم الإسلامية وشرف الحرب الذي لم تلتزم به السعودية وحلفاؤها.

حاولت السعودية، بتحريض أميركي - "إسرائيلي" السيطرة على باب المندب والتحكُّم بالبحر الأحمر بعد السيطرة على جزيرتي تيران وصنافر المصريتين، لكي يتحكم العدو "الإسرائيلي" بالبحر الأحمر ومحاصرة مصر والتحكم بقناة السويس وخط الملاحة للتجارة العالمية، لكن اليمنيين استطاعوا فرض وجودهم والسيطرة النارية والميدانية، وصار في يد محور المقاومة مضيقان (باب المندب وهرمز) مقابل مضيقي (البوسفور وجبل طارق) بيد المحور الأميركي، مما حقّق التوازن في الردع أو التحكم بخطوط النفط في سياق الصراع العام بين المحورين، وكل ذلك على حساب مستقبل العائلة المالكة في السعودية.

اليمن بعد العدوان يمثّل أحد ركائز محور المقاومة ضد المشروع الأميركي- الصهيوني وحلفائه التكفيريين، ويمثل الحماية الحصينة للأمة.. فسلام وتحية لأبطال اليمن الشرفاء.