يبدو حزب الله بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله راغباً بتزخيم طروحات العماد ميشال عون بالدرجة الأولى وإعطاء فرصة لكل ما من شأنه تعزيز العهد وتمكينه. وعلى هذا الاساس يرى الحزب ان القانون الانتخابي الأكثر عدالة هو القائم على «النسبية» على غرار مطلب رئيس الجمهورية الأساسي، بالرغم من انفتاحه على البحث في كل القوانين المفترض طرحها عبر المرجعيات.

القوة السياسية التي تحكم المرحلة تكشف عن معادلة استطاعت أن تأخذ البلاد باتجاه انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وهي المعادلة نفسها القادرة على ترجمة عناوين المرحلة المقبلة «انتخابياً» فالرئاسة وهوية المجلس الجديد سلسلة متصلة.

تؤكد مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ»البناء» أن الزيارة التي قام بها وفد حزب الله المؤلف من المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط وفيق صفا للنائب وليد جنبلاط في 26 كانون الأول في كليمنصو لم تتطرّق الى أي نوع من الحديث عن المكاسب الخاصة التي طرحها بعض الأفرقاء على طاولة مجلس الوزراء بين نفط وتعيينات إدارية وغيرها، بل تمحورت حول قانون الانتخاب والاستماع الى الهواجس التي يطرحها الحزب التقدمي الاشتراكي. وقد قال الحزب اكثر من مرة نعم لدينا هواجس وقانون الستين هو الأفضل حاليا بالنسبة إلينا. تختم المصادر «إن جنبلاط لم يحصل على تطمين مباشر أو صريح من حزب الله بهذا الاطار». وهو الامر الذي حصل عليه من الرئيسين الحريري وبري على ان لا يقر أي قانون يثير قلق الحزب الاشتراكي. وتقول «لقد طرحوا مقترحهم وطرحنا مقترحنا، وهذا كل شيء».

تكفلت رمزية الزيارة بالكشف عن اهتمام مباشر للسيد نصرالله بموقف جنبلاط وعدم إثارة ما يستفزه شعبياً. فالوفد الذي زاره بشخصياته وأدوارهم وقربهم من نصرالله يحمل ما يكفي من اشارات اهتمام الحزب بعدم إثارة الحساسيات او تخطي الحيثيات.

لكن ورغم ذلك يؤكد مصدر بارز مقرّب من حزب الله لـ»البناء» أن «الحزب ليس بصدد إعطاء تطمينات لأحد وإلغاء دراسة قوانين انتخاب فيها مصلحة للبلد فقط، كي لا يُحرج هذا الطرف او ذاك, والمقصود «النسبية» هذا الكلام يترافق مع خطاب للأمين العام لحزب الله منذ أيام يشير فيه مباشرة إلى الطائفة الدرزيّة وهواجسها، قائلاً إن قانون النسبية عادل ولا يُلغي أحداً».

على هذا الاساس ووفق هذه الارضية اختلطت الأوراق مجدداً، فبدا ان خطاب نصرالله كان كفيلاً بتحريك منطق جنبلاط ومتابعته لملف قانون الانتخاب العادل من منظاره، وإذ به يتوجّه نحو عين التينة للقاء الرئيس نبيه بري كاشفاً «أن لا هواجس لديه، ولا لدى أهل الجبل على تنوّعهم»، مؤكداً حرص بري على أهل الجبل وتنوّعهم، لذلك يقول «ليست هناك هواجس… أنام مرتاحاً ملء جفوني».

وضع جنبلاط في تصرّف بري بعض الأفكار القابلة للنقاش والتداول، كي «نخرج من هذه الدوامة التي عنوانها القانون الانتخابي»..

العبارة نفسها «الخروج من الدوامة».. كلمة سر التغيير.. أطلقها جنبلاط عندما تعرقلت مسألة التوافق على مرشح رئاسي قبل فترة وجيزة من ترشيح الرئيس سعد الحريري لعون, في وقت كان قد ظنّ اللبنانيون أن جنبلاط سيؤيّد فرنجية مثل بري.

السؤال الذي يُطرح اليوم بديهياً «هل يتقدّم جنبلاط نحو السير بقانون «النسبية» بالطريقة نفسها التي سار فيها نحو العماد عون الذي كان يبدو خياراً صعباً عند الاشتراكيين؟

كل شيء وارد، لكن الأكيد أن ارتياح جنبلاط حمله معه من قلب عين التينة وأنه تخلّى عن التمسك بقانون الستين ومتفرّعاته.

عدا عن أن جنبلاط قارئ جيد للمعطيات الإقليمية المصروفة «محلياً»، وها هو يوافق على التشاور بالصيغ كافة.

الخيارات التي اخذ اليها الحريري، وكذلك الأمر النائب جنبلاط تشبه الى حد ما بعضها، في ما يتعلق بميزان القوى الداخلي الذي ترجمته قوة حزب الله الإقليمية. وبنهاية المطاف يدرك جنبلاط ان هناك مجلساً جديداً للنواب سيؤسس لمرحلة جديدة تجيّر لتقدم حزب الله وشركائه في المنطقة، وأن إعادة عقارب الساعة الى الوراء وأن إنتاج مجلس نيابي على غرار مرحلة ما بعد اغتيال الحريري «انتهى» أمره.

في الدوحة بعد 7 أيار عام 2008 وافق اللبنانيون على قانون الستين في مرحلة متشنجة، كان فيها النفوذ الاميركي السعودي عالي المستوى. في ذلك الوقت كانت السفارة الاميركية في بيروت تدير اللعبة المحلية والانتخابية ومعها الشارع بشكل مباشر. أشرفت السفارة حينها على اشتباكات الشارع وعلى دعم خصوم حزب الله في بيروت وباقي المناطق بالاتفاق مع سفارات خليجية أخرى أمّنت ما يكفي من تسهيلات المال والسلاح ليكتشف لأول مرة مشاركة المستقبليين بقتال الشوارع ومعهم الاشتراكيون أيضاً. الميزان في ذلك الوقت أخذ نحو مجلس نيابي من هذا النوع تطلب تمسك حزب الله بالتحالف الرباعي لحماية السلم الأهلي.

اليوم لا شيء يخيف حزب الله «المتفوّق» وحلفاءه إقليمياً والذي يدرك أن هذا سيترجم بمجلس نيابي، مطمئناً له ولحلفائه المحليين مع مراعاة باقي الأفرقاء بعكس انتخابات 2009. فلا داعي للتمسك بمحاذير السلم الأهلي غير القابل للمس بظروف أنتجها خفوت قدرة تاثير السفارات الأميركية والخليجية محلياً باعتراف حزب الله نفسه الساعي لتعزيز عهد عون وتثبيت مصداقيته بقانون عادل يأخذ الآخرين الى اللحاق به أياً كانت هويته.