ما قاله الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في الذكرى السنوية للقادة الشهداء هو اكثر من طبيعي وتحديد لمسار الصراع القائم بين المنطقة بين مشروعين: الاول فتنوي وتقسيمي وصهيوني- اميركي وتكفيري. والثاني: يدافع عن نفسه في وجه مخططات التقسيم والشرذمة والاحتلال والسيطرة على المنطقة وبعثرة هويتها الدينية والقومية والثقافية والانسانية.

المنسوب المرتفع للتهديدات الصهيونية مدعومة بالرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، لا تخيف حزب الله ولا تجعله "يرتجف" مع ايران وكل الشعوب العربية التي دأبت على مواجهة الظلم والاحتلالات والاجتياحات والانتدابات والحروب المتعاقبة عبر سنوات الزمان الغابرة. ربما هو قدر هذه الشعوب ان تكون دائماً في موقع رد الفعل لا الفعل. فالمقاومة رد فعل طبيعي ومشروع في وجه كل محاولة للكسر والعصر. وقد يقول البعض في لبنان ممن امتهنوا التخويف والانكسار والتهويل والتهليل لكل ما هو "فرنجي" واعتباره "برنجياً"، وان تقوم قيامتهم عندما يصعَد احدهم ليقول لا لهذه المشاريع. فالعصا ستُكسر والجزرة ايضاً وقد حاول اسلاف نتنياهو تجريب حظوظهم في لبنان منذ العام 1948 ومعركة المالكية وصولاً الى الـ67 والـ74 والـ78 والـ82 والـ2000 والـ2006 ولكنهم فشلوا والحبل على الجرار. قد لا نمتلك في لبنان اسلحة نووية او جيشاً جراراً او تكنولوجيا رقمية او صواريخ عابرة للقارات او حاملات طائرات او نفاثات شبح او غواصات نووية وعادية واسلحة تفوق الخيال، لكننا نملك جيشاً بإرادة وعقيدة حرتين. وشعباً لا يرضخ لا للجوع ولا للحصار ولا للتخويف ولا يخاف الحرب والدمار. ونمتلك مقاومة قدّمت خيرة قياداتها وفي مراتبهم العليا ومقاومين نذروا انفسهم لهذه القضية. الانتصار في القضية هو مجرد شعور بالعزة والارادة ورفض الاستسلام فالعين تقاوم المخرز والدم ينتصر على السيف والعين بصيرة بالارادة والعزم والتصميم ولو كانت اليد قصيرة. فهذه اليد هي حجر ومقلاع وكلمة وصوت ورفض وعزم ومقاومة تنمو محلياً واقليمياً بامكانات متواضعة وتكبر شيئاً فشيئاً فغدت جيشاً من المقاومين في لبنان وسورية والمنطقة.

ايران التي تدعم لبنان ومقاومته، ليست لقمة سائغة للغرب وخلجان الخليج او عرابهم الجديد "الكاوبوي"، ترامب الذي يُنفذّ ببساطة التعهدات التي قدمها كاوراق اعتماد للصهيونية العالمية ولأذرعها المتغلغلة في السياسة الاميركية الداخلية والخارجية ولمرتكزات الاقتصاد الاميركي ومفاتيح التمويل والتجارة والبورصة والصناعة المدنية والعسكرية وحتى النفط بكل موارده.

نصرالله بالامس، قال ما يجب ان يقال وصوّب نحو الهدف فإذا عدتم عدنا ونحن لكم بالمرصاد. هو ردّ على تهديدات متمادية قد تصح او لا تصح، انما التهديد الاسرائيلي المعادي قد يكون هذه المرة "صفارة" البداية لضوء اخضر اميركي لشن حرب جديدة على لبنان. لذلك المرحلة التي يشهدها لبنان من إستقرار تدين بالفضل لانطلاقة عهد قد نجح بعد مئة وعشرة ايام في تكريس نهج جديد. زار السعودية وقطر ومصر والاردن وحدد سقف المسلمات الوطنية العلاقة الجيدة مع سورية الاسد والحفاظ على مقومات الصمود والمعادلة الثلاثية التي يكفلها الدستور واتفاق الطائف والبيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة. وهو بذلك يؤمن الغطاء الداخلي المطلوب من رأس السياسة اللبنانية الى المراتب الشعبية مروراً بتحصين الداخل بإغلاق الثغرات الاجتماعية والاقتصادية. قد لا تكون الامور مثالية اجتماعياً واقتصادياً الى هذا الحد، لكنها بداية جيدة وقد تنمو بوجود الارادة وانكفاء المنتفعين وكبار الفاسدين وعصابات السطو على المال العام.

الانقسام اللبناني حول سلاح المقاومة ودورها في لبنان وسورية والعلاقة الملتبسة مع الخليج وخصوصاً السعودية ، سياسي وليس طائفياً او وطنياً، حيث ان المقاومة التي يمثلها عسكرياً اليوم حزب الله وسياسياً الرئيس نبيه بري وكل احزاب 8 آذار بتلاوينها الطائفية وبدعم عهد الرئيس ميشال عون، تحظى بتأييد غالبية من اللبنانيين الذين يتوزعون جغرافياً وطائفياً على مدى مساحة لبنان. فلا يضير المقاومة او شعبها من يخرج بين الفينة والاخرى ليهول عليها وعلى من يؤيدها لانه يؤكد ولاءه لمن يتبع لهم، ويعرف ان هذا السلاح هو الذي اتى به الى السراي، وهو الذي يجعله يسرح ويمرح اليوم في لبنان ويعرف ان هذا السلاح هو من يحمي لبنان ويعطل كل مشاريع الانقسام والفتنة ويمنع تنفيذ المشاريع المشبوهة في المنطقة. ويسجل ايضاً عدم قدرة هؤلاء في الداخل على تعطيل مسار الامور وتحجيم المقاومة وتخويفها ومحاصرة شعبها وتجويعه وكذلك الفشل في رهانات على مشاريع تقسيمية في المنطقة. نعم نحن لا نخشى الحرب ونحن ندافع عن انفسنا، قد لا ننتصر في كل جولات الحرب ولو بفاتورة عالية، لكننا سنصمد ولن نخسر.