في اول تناوله للازمة السورية ركز ترامب على امرين الأول إقامة المناطق الامنة لإيواء النازحين والثاني محاربة داعش، وإذا كان الهدف الأول فيه من التعقيدات القانونية والعملية ما يجعله قيد الاخذ والرد خاصة إذا كانت اميركا تريد ان تنفذه متجاوزة قرار الحكومة السورية فان الهدف الثاني جاء ظاهرا بشكل مقبول حيث كان تفسير اولي بان ترامب سيعتمد حيال الازمة السورية سلوكا معاكسا لسلفه يغير فيه الأولويات والأساليب والأهداف الاستراتيجية الأساسية.

لكن ومع انقضاء الشهر الأول لوجود ترامب في البيت الأبيض، تبين ان كلام ترامب ووعوده امر حمال أوجه، وانه كما يبدو يغير العبارات والتركيب اللغوي المحددة للأهداف ويبقى على الأهداف الاستراتيجية الأميركية من الازمة السورية كما هي. خاصة وانه ومن الأيام الأولى بدأ بعملية إعادة النظر بهيكلية من تبقى في معسكر العدوان على سورية وانصرف لإعادة تنظيم هذا المعسكر وتوزيع المهمات المستقبلية على المكونات فيه سواء القديمة او من جيء به ليلتحق بالمعسكر العدواني ميدانيا.

لقد اتضح حتى الان ان هناك خطة أميركية جديدة لم تتبلور بكل تفاصيلها بعد وان ترامب لم يكن حاضرا بما فيه الكفاية للتعامل مع هذه الازمة وانه بحاجة الى مزيد من الوقت من اجل ذلك ومن هنا فانه يعلن شيئا اوليا ولكن المستور يبقى الأهم كما يبدو ما يذكر بان اميركا دولة مؤسسات وليست دولة اشخاص.

وفي هذا السياق نجد ان اميركا تتمسك بالبنية العدوانية التنفيذية وتريد تطويرها حتى تصبح اليوم قائمة ميدانيا على أربع قوائم رئيسية هي تركيا والأردن والامارات العربية و "قسد " دون ان تخرج السعودية وقطر من المنظومة طبعا بل تم التمييز في توزيع المهمات بين ميداني قتالي واعلامي تمويلي مع انفتاح الخطة مستقبلا على إمكانية ارسال قوى عسكرية سعودية إذا سمح الظرف بذلك.

والجديد في الخطة هو الدور المباشر الذي اسند للأردن ولتركيا وللأمارات العربية ودور الأخيرة كان مفاجئا حيث تطرح حوله أسئلة كثيرة، من قبيل طبيعة الأهداف والسقف والمأمول اميركيا منه. فما هي وظائف هذه المكونات وما هو المترتب على المراجعة الأميركية الجارية على صعيد الازمة لسورية.

قبل الإجابة لا بد من العودة الى ما أعلن من اهداف أميركية وتفسير ما تخفيه هذه الأهداف حتى الان. وفي هذا السياق نتوقف عند ما قصده ترامب بالمناطق الامنة واناطتها بهذه الجهة او تلك وقد تبين ان ترامب يقول بمناطق امنة ظاهرها قصد انساني خدمة للنازحين وباطنها عمل تقسيمي ينفذ عبره خطة تقسيم سورية التي سقطت إثر الانتصارات المدوية التي حققها الجيش العربي السوري تزامنا مع الأسابيع الأخيرة قبل استلام ترامب للسلطة.

اما هدف قتال داعش و مع رفض اميركا لأي نوع من أنواع التعاون الميداني او حتى توزيع الأدوار مع القوى العسكرية الحقيقية التي تقاتل الإرهاب بشكل جدي و فاعل و المتمثلة بمعسكر الدفاع عن سورية ، و مع رفض اميركا العمل العسكري المشترك مع ​روسيا​ في سورية ضد داعش و مع رفض الحلف الأطلسي التدخل العسكري المباشر بقوات عسكرية تعمل تحت علم الحلف و مع تلويح اميركا بإمكانية ارسال قوات قتالية الى سورية لمحاربة داعش ، و ربطا بالوجود العسكري الأميركي في 5 قواعد عسكرية مستحدثة في الشمال الشرقي السوري ، مع كل هذا نستطيع ان نقول بان ترامب يرفع شعار قتال داعش و يخفي نية بالتدخل العسكري المباشر او عبر حلفاء او اتباع له يحشدهم في سورية و هو في ذلك يستجيب لطلبات إسرائيل التي تخيره بين التدخل العسكري الأميركي الفاعل لحسم المعركة لصالح معسكر العدوان او إطالة امد النزاع عبر العمل بمنطق الحرب البديلة و الاتكاء على مكونات محلية و اقليمية تواصل العمل العدواني و تفسد أي مسعى للحل السياسي.

في ظل هذه الحقائق التي يضمرها الأميركي نجد ان ما يحضر له في جنيف 4 في 23 شباط فبراير الحالي لن يكون واعدا كما يتمنى الحريصون على المصلحة السورية و لن تسمح اميركا باي خرق سياسي في ظل الظروف القائمة لغير صالح معسكر العدوان و لذلك و رغم الاستجابة الشكلية التي اظهرتها اميركا للدعوة هي و حلفائها فان ما تسرب و ظهر حتى الان من تحضيرات و تلميحات حول الاجتماع لا يوحي باي جدية اممية او أميركية بالتعاطي معه و السبب عائد الى ان اميركا لا ترى مصلحة لها بالذهاب الى تفاوض بحثا عن حل سياسي في ظل واقع ميداني غير متكافئ و ارجحية مؤكدة لصالح سورية و حلفاؤها . ولذلك فان اميركا لا تجد بدا من تسعير الميدان السوري اقله في الأشهر الثلاثة المقبلة وزج قوى جديدة فيها من شانها ان تحدث تغيرا تعول اميركا عليه في الميدان يمكنها من التفاوض المريح.

وفي هذا السياق نتوقف عند أدوار المكونات التي تعتمد عليها اميركا في خطتها ومدى قدرة هؤلاء على الاستجابة وتحقيق الأهداف الأميركية.

ونبدأ بالأردن الذي يقع تحت حزمة من الضغوط المتناقضة. ضغط روسي يستدعيه للالتحاق بمنظومة صيانة وقف العمليات القتالية التي تم التوصل اليها مؤخرا وأكد عليها في استانا1 ونظمت استانا 2 من اجل وضع الية المراقبة والمعالجة وكان مقدرا ان يضطلع الأردن بمهمة اقفال حدوده مع سورية بوجه الإرهاب لكنه تهرب من الالتزام بسبب الضغط الأميركي والسعودي. حيث ان اميركا تضغط عليه ليتولى وبالتنسيق مع إسرائيل شأن المنطقة الامنة التي يزمع ترامب اقامتها في جنوب سورية استجابة لمطلب اسرائيل وبتمويل خليجي، اما الضغط السعودي فيتجلى في مطلب دعم الجماعات الإرهابية التي شرعت في مهاجمة درعا في عملية "الموت ولا المذلة" لكنها فشلت حتى الان وارتدت على أصحابها ويلا وثبورا بسبب بسالة الدفاعات السورية في المنطقة.

اما المكون العربي الثاني في خطة ترامب فهي الامارات العربية التي تزج بها اميركا ميدانيا لأول مرة في سورية ويبدو انها اختارتها من اجل طمأنة العشائر العربية في المنطقة الشرقية الشمالية التي يتردد أبناؤها في العمل تحت راية الاكراد في "قسد" التي تحتضنها اميركا ، كما ان عداء الامارات للإخوان المسلمين يوحي بالثقة ل"قسد" ، وأخيرا فان وجود الامارات كراعية للجزء الشمالي الشرقي السوري الذي تريد اميركا ان تقيم فيه منطقة امنة أخرى تنتشر فيها قواعدها يخفف من حدة هواجس تركيا وخوفها من كيان كردي ذو ذاتية مستقلة تهدد امنها الوطني.

اما المكون الثالث المعتمد عليه في الخطة الأميركية فهي تركيا التي تريد اميركا ان تقطع اندفاعها باتجاه روسيا وان تطمئنها بما يبعد هواجسها، لهذا تطلق يدها في الوسط السوري لقطع الشرق عن الغرب وإقامة منطقة امنة تخدم مصالحها على مساحة 5 الاف كل م2 بما يحول دون استعادة سورية لوحدتها الإقليمية والديمغرافية ويجعل اليد التركية طليقة في التدخل بالشأن السوري الداخلي.

وعليه فان تنفيذ هذه الخطة كما يبدو يقتضي اميركيا تأجيل أي حل او مسعى لحل سياسي في جنيف او سواها، وعدم تثبيت وقف الاعمال القتالية الا بالمعنى الذي يخدم الأهداف الأميركية ولهذا وجدنا كيف تصرفت تركيا والأردن وبإيعاز أميركي في استانا 2 بما أفشل المسعى الروسي حول مراقبة وقف العاليات القتالية والتصدي لمن يخرق القرار، وكيف ان دي مستورا أطلق قنبلة تفجر جنيف 4 قبل انعقاده من خلال طرح جدول اعمال ليس من مهام الاجتماع لأنه شان سوري داخلي محض عنيت به الدستور السوري الجديد.

و في الخلاصة نرى ان الآمال المعقودة على تغيير في السياسة الأميركية و انتقال اميركا من الاستثمار بالإرهاب الى محاربة الإرهاب بشكل جدي ، هي امال قد لا تكون في محلها فترامب يقول كلاما في ظاهره شيء و في باطنه شيء اخر و ان الأهداف الأميركية الاستراتيجية في سورية و التي اقلها التقسيم لم تتبدل كما يبدو ، و تبقى فسحة حسن الظن الوحيدة قائمة هنا بالقول بان ما يقوم به ترامب من كسب وقت و إعادة تنظيم معسكر العدوان وما تلاه من توزيع أدوار انما هو من اجل تحشيد الأوراق التفاوضية في ظل انعدام التوازن الحالي في الميدان . ولذلك نقول علينا التركيز أولا على الميدان ففيه الكلام الفصل، وتبقى الجهوزية السياسة مطلوبة لا بد منها.