مَنْ رَصَدَ وتابَعَ مضامين كلمات المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن والسياسات الدفاعية، خرج بقناعة كاملة أنّ الغرب يتخبّط. وهذا التخبُّط وصل حدّ انعدام الثقة بين دوله الرئيسة. وبدا واضحاً أنّ كلّ التطمينات التي قدمّها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في المؤتمر، لم تبدّد هواجس حلفائه الأوروبيين ومخاوفهم، وقد ظهر الارتياب جلياً في كلمات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية الفرنسي جون مارك إيرولت.

بموازاة هذا، فإنّ تقرير «ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام»، الذي أصدرته مجموعة من مراكز الأبحاث الغربية، تزامناً مع انعقاد مؤتمر ميونيخ، أضاء على مكامن خلل كثيرة تشوب العلاقات بين دول الغرب، وحتى بين أحلافه. أشار التقرير إلى أنّ الغرب الممثل بمؤسساته العالمية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الناتو ، وأنظمته الديمقراطية، والتجارة الحرة، والتصورات الليبرالية المنفتحة لشعوبه بات بمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية الراهنة، مهدَّداً في وجوده وعلى شفير الانهيار. وحمّل واضعو التقرير مسؤولية أفول قوة الغرب إلى ضعف تماسك الاتحاد الأوروبي، وانتخاب ترامب.

والسؤال، هل حقاً أنّ هناك نظاماً عالمياً سينشأ على أنقاض النظام العالمي الأحادي القطب بعد أن بلغ سنّ الشيخوخة، وبات عاجزاً عن ضبط المشكلات العالمية الناشئة على أكثر من صعيد؟

إنّ انعدام الثقة بين الدول الغربية، يؤدّي حكماً إلى انفراط عقد المصالح المشتركة، وبالتالي يصبح من الصعب ترميم هذه الثقة، خصوصاً في ظلّ منطق يروّج بأنّ أميركا نفسها لم تعد تبدي اعتراضاً على بناء نظام جديد بشركاء جدد!

على الضفة الأخرى، يبدو أنّ الروس هم اللاعب الأساسي، في أيّ نظام جديد، فهم وضعوا مداميك تأسيسية لنظام «ما بعد الغرب»، من خلال الوقوف إلى جانب سورية في مواجهة الحرب الإرهابية. وهي حرب وضع الغرب كلّ ثقله فيها كي يعيد صياغة النظام الدولي برصيد انتصاراته، لكنه فشل.

لقد كان لافتاً ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المؤتمر، إذ أشار إلى أنّ النظام العالمي الذي ساد بعد الحرب الباردة «انتهى»، وحلف الناتو «لا يزال مؤسسة من مؤسسات الحرب الباردة»، في إشارة إلى أنّ دوره لم يعُد مطلوباً، كما في السابق.

وعليه، فإنّ مشهدية مؤتمر ميونيخ لم تأتِ من العدم، بل نتيجة قصور السياسات الغربية التي تعبّر عن الشيخوخة التي أصابت النظام الحالي.

العالم مقبل على نظام «ما بعد الغرب»، كما أعلن لافروف، وفي هذا النظام، تكون الأفضلية لمن وقف بوجه مشاريع التفتيت والفوضى الهدامة.

هل تذكرون كلام وزير خارجية سورية وليد المعلم عند بدء الحرب الكونية على سورية حين قال: «لقد شطبنا أوروبا»؟

منذ الأساس قلنا إنّ صمود سورية سيغيّر المعادلات، وانتصارها سيقلب الموازين ويؤسّس لنظام عالمي جديد.