لم تشجع ​الولايات المتحدة​ الاميركية يوماً الإسرائيليين على شن أيّ حرب ضد ​لبنان​. كان رؤساء الحكومات في تل ابيب يقنعون الإدارات الاميركية بجدوى تلك الحروب تاريخياً، بمؤازرة اللوبي الصهيوني في أميركا الذي كان يتدخل بالضغط على واشنطن لتسهيل قرارات الإسرائيليين. اللافت اليوم ان تل ابيب لم تعد تريد الحرب، وهي مستعدة لاقناع البيت الأبيض بعدم وجود اي مصلحة إسرائيلية بإشعال الجبهات. قد تنطلق الحكومة الإسرائيلية من قاعدة ان العرب والمسلمين يتقاتلون فيما بينهم، ومشغولون بصراعات مفتوحة بكل الاتجاهات، ولا داعٍ للتدخل، بل الاكتفاء بالتفرج عليهم. لكن الأهم ان تل ابيب باتت مقتنعة ان أثمانا باهظة سيدفعها ال​اسرائيل​يون في حال نشوب حرب مع "حزب الله" على الجبهة اللبنانية تحديداً. لم يعد الامر مجرد نزهة كما كانت تقول.

عندما اطلق الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله تهديداته الردعية الأخيرة ضد الإسرائيليين وحذّرهم من أي تهوّر ضد لبنان، استند الى نقاط ضعف تل ابيب. لم تعد أهداف "حزب الله" محصورة او محدودة ضمن مستوطنات حدودية، بل أصبحت أوسع بفعالية صواريخ بعيدة المدى يمتلكها الحزب منذ بدء الأحداث السوريّة لتحقيق استراتيجية الردع. لن تقتصر الأهداف على مفاعل ديمونا في النقب، بل تطال أمكنة ومصانع ومراكز استراتيجية أخرى يمكن ان تشلّ كل اسرائيل خلال ساعات.

هذا النقاش الذي استولدته الإيحاءات الإسرائيلية بالتحضير للحرب ضد لبنان، ورسالة مندوبها في الامم المتحدة التي ردّ عليها رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، لا يعكس اجواء ولا تحضيرات أو مؤشرات جدّية لنشوب حرب متوقعة. دبلوماسي عربي مطَّلع قال امام سائليه، ان لا مصلحة لإسرائيل ولا للدول الغربية بهزّ الاستقرار اللبناني. يبرر الدبلوماسي معلوماته، بتأكيده أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الاميركية ترى جميعها وجوب ضمان استمرار الهدوء اللبناني سياسياً وامنياً، لسبب أساسي: رعاية مليوني نازح سوري وضمان بقائهم في مخيمات ومناطق لبنانية، وعدم هروبهم الى الدول الغربية. يشير الدبلوماسي نفسه الى المهاجرين غير الشرعيين الذين باتوا يقتحمون الحدود بالجملة. كما الحال بين المغرب وإسبانيا. او عبر البحار وتجار رحلات الموت. الغرب بات قلقاً جداً من توافد النازحين. هو يبحث عن سُبل إعادتهم الى الشرق الاوسط. لذلك يأتي اقتراح المناطق الامنة في سوريا لطرد المهاجرين من أميركا وأوروبا الى تلك المناطق، بحجّة القلق من تشكيلهم بيئة حاضنة للإرهاب. المصلحة الغربية تقضي بإستقرار لبنان ايضاً في مساحة شرق اوسط مشتعل، ولقربه من سوريا. التعامل مع اللبنانيين سهل حيث تتوافر كل التسهيلات. مطاره يُستخدم للعراقيين وللسوريين، والوافدين الدوليين للاطلاع عن كثب على مجريات الساحات العربية.

تلك المصلحة بإستقرار لبنان تنسحب ايضاً على رسم دوره المحايد في اي صراع سياسي او عسكري بين جبهات جديدة يُمكن أن تنشأ. بغض النظر عن التموضعات اللبنانية بالمفرق الى جانب ايران او السعودية او تركيا. لن يُسمح لأي اشتباك بهز الاستقرار اللبناني للاهداف المذكورة ذاتها.

هذا يعني ان لبنان محصنٌ بقرار دولي.

لا حرب إسرائيلية رغم الاستعدادات الدائمة لها ولردعها. لا ازمة سياسية تستبيح الاستقرار الداخلي. لا توترات لبنانية تُترجم الاشتباك الإيراني-التركي، او الإيراني-الخليجي. لا سماح للارهاب بضرب استقرار البلد. ستتجنّد عواصم العالم للحفاظ على هدوء لبنان. يكفي انه يمنع مليوني نازح من الوصول الى الدول الغربية.