لا يبدو أنّ الأسلوب الفضائحي الذي تنتهجه ​اسرائيل​ لإحراج الأفراد والدول سَلِمت منه المملكة العربية السعودية. فرئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ يثير علناً في الولايات المتحدة الأميركية مسألة امتعاضه من السريّة التي تنتهجها بعض الأنظمة العربيّة بشأن التنسيق مع اسرائيل. قنبلة في وجه المملكة العربية السعودية أوّلاً قبل أي نظام عربي آخر. انجلى ذلك واضحاً منذ 16 نيسان 2016 عندما كشفت صحيفة "هآرتس" عملية "أولندي ماعوف "السرّيّة التي تمّت في العام 1981 وتعاونت فيها القوات الخاصة الإسرائيلية والقوات الخاصة السعودية لإنقاذ سفينة صواريخ إسرائيليّة كانت قد ضلّت طريقها نحو المياه الإقليمية السعوديّة عبر مضيق "تيران". عمليّة إنقاذ توسطت لها أميركا ونجحت. يبدو أن اسرائيل تستعجل اعلان حلف عربي-اسرائيلي على رأسه السعوديّة لمواجهة ​ايران​؛ فنصّبت ذاتها حامية "السنّة" في المنطقة، وتستعجل كشف تاريخ علاقتها بالسعودية لإدراج المحظور في دائرة الضوء "المشروع".

ينقلب المشهد من الصراع العربي-الإسرائيلي إلى التحالف العربي-الإسرائيلي في عزّ أزمة العروبة وفي عزّ تنامي الخطر الإسرائيلي على المنطقة. إنّ الهلع ممّا يُسمّونه بالنفوذ الايراني يتصاعدُ ويجمع حوله العداء والكراهية والطائفية.

في العام 2009، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً نقلاً عن مصادر دبلوماسية أنّ المملكة العربية السعودية تسمح لإسرائيل باستعمال مجالها الجوي لقصف ايران. وكاد الخبر أن يشعل أزمة دولية ؛ فنفاه الطرفان.

لا شكّ أنّ بين السعودية واسرائيل تاريخاً سابقاً من الحروب والمواجهة منذ عام 1948 وحتى عام 1973؛ لعبت المملكة دوراً أساسيا فيه على مختلف الصعد. أثبتت خلالها أنّها قوة إقليمية ودولية أساسية وذلك عند نجاح خطة حظر النفط الذي فرضته على الدول الغربية المتحالفة مع اسرائيل سنة 1973.

ماذا حصل اليوم؟ لا شكّ أنّ بدائل النفط من طاقة شمسية، طاقة مياه، طاقة الرياح، طاقة نووية، الغاز الطبيعي، الوقود الحيوي النباتي، والطاقات المتجددة الأخرى التي تكبّد أبحاثها مليارات الدولارات، جميعها ثروات يتمّ استحداثها وتوسيع نطاق استخدامها في دول عدّة. بالمقابل، تعمدُ الدول التي تعتمد على النفط في اقتصادها الى بدائل أخرى لوجهة قوتها أهمّها ترسانات الأسلحة. وأكثر؛ هي تنحني لِمَن كان عدوًّا.

ذكرت شبكة الـ"CNN" في تقرير لافت منذ ايام أنّ المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال الخمس سنوات الماضية. أمّا الولايات المتحدّة الأميركية فهي اكبر مُصَدِّر للاسلحة في الفترة عينها.

أن يذكر الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ منذ أيام أيضاً البلدان الخليجية في خطابه حول المناطق الآمنة في سوريا؛ ويذكر صراحة أنه سيطلب من دول الخليج تمويلها. ويرفع نبرته باستهزاء بأن دول الخليج لا تملك سوى المال. موقف لا بدّ من التوقف عنده.

واضحٌ أنّ الرئيس الأميركي وبمواقفه المعادية لإيران قد اتَّخَذ قرارا بالذهاب في المواجهة إلى أبعد ممّا توقّف عنده سلفه الرئيس السابق باراك اوباما. يعرف رجل الأعمال الأميركي ترامب أن تجربة التدخّل العسكري الأميركي المباشر على أي دولة شرق اوسطية قد تكبّد بلده خسائر جمّة. يبدو أنّه في مرحلة لمّ الشمل العربي المعادي لإيران حول اسرائيل لتكوين قوة إقليمية عربيّة إسرائيليّة قد تحظى بالتفاف الرأي العام الدولي حولها، بعد الحشد الإعلامي القاضي إلى تصوير ايران أنّها راعية للإرهاب. وها هو الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان يغلب طبعه على تطبّعه فيعود الى ركب موجة "الأقوياء" ويبدأ بشنّ هجومه على ايران علّه يسعى ربما هذه المرة بالانضمام الى "اتّحاد عربي" بعد التماسه صعوبة قبول انضمامه الى الاتحاد الاوروبي.

لا شك أن حلم أردوغان التمدّدي نحو سوريا لم يسقط. هو يحلم اليوم بالفتح عبر البوابة الإيرانيّة.

إن الإدارة الأميركية تعلم تماما أن اي حرب عسكرية مع ايران ستبوء بالفشل. فهل تسعى فعلاً أميركا إلى دفع حلفائها لمواجهة مع طهران؟ أم أنّ ترامب يلوح براية الحرب في أرض خصبة لتجارة الأسلحة؟.

من جهة أخرى، إنّ الإنقسام العربي العلني الطائفي والمواقف المتناقضة من محور المقاومة بين البلدان العربية لا يخدم سوى اسرائيل؛ حليفة أميركا الأولى؛ السؤال المركزي الذي يُطرح هو التالي: هل التعبئة التهويلية الدولية اليوم تؤكّد بدء انتهاء الصراع العسكري الفعلي في المنطقة؟ وما نحن إِلَّا في مرحلة الحرب الباردة المرتكزة على التهديد والوعيد كمرحلة انتقالية؛ تمهيداً لمرحلة التنازلات والتسويات والحلول السياسية في الاقليم؟

إن الخلاف بين واشنطن وطهران اليوم يكشف النقاب عن سياسات الأنظمة العربية مع اسرائيل.

في ظلّ كل هذا الغليان؛ لا يغيب وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببسمته البيضاء التي تنقل صقيع موسكو إلى لهيب الشرق الأوسط؛ فلا بدّ أن يعتدل الجوّ ولو بعد حين.