من حقّ كل تاجر أن يُروّج لبضاعته بالشكل الذي يراه مُناسبًا، ومن حقّ كل مُعلن أن يكون إعلانه جاذبًا للإنتباه، لكن ما ليس من حق أيّ منهما أن يكذب في ترويجه، أو أن يُضلّل في إعلانه، أو أن يخدع الزبون الذي هو المُستهدف في نهاية المطاف. والأمثلة كثيرة في هذا السياق، ويُمكن تعداد بعضًا منها.

في المجال العقاري، الإعلانات الترويجيّة لا تُعدّ ولا تُحصى، وهي تتحدّث عن بيوت ومنازل وشاليهات حديثة وعصرية وفخمة بأسعار زهيدة نسبيًا، وتحديدًا في مُقابل بضع مئات من الدولارات في الشهر الواحد، وهذا ليس صحيحًا في الكثير من الحالات! فالصحيح أنّ هذه الإعلانات تؤمّن لصاحب المشروع المبالغ المطلوبة للشروع في تنفيذ مشروعه، ولتحويله من رسم هندسي على الورق إلى مبانٍ قائمة على أرض الواقع، بينما لا تؤمّن للمُستهلك شراء الشقّة، لأنّ دفعة شهريّة بحدود 500 دولار أميركي مثلاً، تعني أن المُستهلك سيدفع 6,000 دولار سنويًا، وفي حال التقسيط على أربع أو خمس سنوات، يعني أنّ المُستهلك سيدفع 24,000 دولار أو 30,000 دولار على التوالي فقط طوال هذه المدّة، بينما سعر الشقّق المَعنيّة غالبًا ما يكون يتراوح ما بين 300,000 و400,000 دولار أميركي للمَسكن الواحد. وبالتالي، يكون على المُستهلكين الذين ضُلّلوا بالترويج الإعلاني، التوجّه لزامًا إلى أحد حدالمصارف لتأمين قرض سكني طويل الأمد وبدفعات شهريّة كبيرة جدًا، في حال كانوا يرغبون بعدم التنازل عمّا إشتروه، وفي حال تمكّنوا أصلاً من نيل مُوافقة المصرف على القرض(1).

في قطاع السيارات، اللوحات الإعلانيّة تملأ الطرقات عن سيارات جديدة بأسعار مُخفّضة وبمتناول شرائح عدّة من المُجتمع، وهذا الأمر غير صحيح في الكثير من الحالات! والصحيح أنّ هذه الإعلانات التي تُظهر سعرًا جيّدًا بخط كبير، غالبًا ما تكون مُرفقة بنجمة صغيرة تُخفي ما يُحاول كل من صاحب المُنتج والمُعلن المروّج له، إخفاءه. فالسيارة التي يُقال إنّ سعرها الإجمالي يبلغ مثلاً 25000 دولار أميركي، هي في الواقع أغلى من ذلك بكثير، لأنّه يجب إحتساب قيمة الضريبة المُضافة، ثم قيمة رسوم التسجيل في دائرة السير، وبعد ذلك قيمة التأمين الشامل الإلزامي في حال كان الشاري لا يرغب بالدفع نقدًا، علمًا أنّ الدفع بالتقسيط عن طريق الدفعات الشهريّة يقود بدوره إلى فوائد كبيرة على المبلغ المُقترَض. وحتى في حال تسديد المبلغ الكامل الفعلي الذي هو في حال المَثل أعلاه بحدود 30,000 دولار أميركي، فإنّ السيارة المَعنيّة التي يحصل عليها الزبون تكون مُختلفة عن تلك التي جرى الترويج لها في الصورة، حيث أنّها غالبًا ما تكون عبارة عن الفئة القياسيّة منها، أي التي تفتقر لكثير من تجهيزات الراحة والسلامة والترفيه، علمًا أنّ إختيار أيّ من هذه التجهيزات مُتاح، ولكن إضافيًا وفي مُقابل مبالغ ترفع سعر المبيع الإجمالي تصاعديًا، وبنسبة كبيرة.

في قطاع الملابس، تتداخل إعلانات المحال التجارية بعضها ببعض إلى درجة تحجب معها زجاج هذه المحال، وتصل الحُسومات المُفترضة إلى 80 % وأكثر، وهذا ليس صحيحًا في الكثير من الحالات! والصحيح أنّ بعض المَتاجر يقوم برفع أسعار مُنتجاته بشكل مُبالَغ فيه مُقارنة بأسعار مثيلاتها في السوق، ثم يقوم بحُسومات ضخمة عليها، ليتبيّن عند التدقيق فيها أنّ السعر النهائي هو عبارة عن حسم محدود جدًا عن السعر الأساسي. وفي حالات أخرى، تقتصر حُسومات أصحاب المحال التجاريّة على بضائع غير مُباعة من الأعوام الماضية وتتوفّر بقياسات وبألوان محدودة جدًا، أو ربما جديدة لكنّها لم تحظَ بإعجاب المُشترين، بينما يعرض هؤلاء باقي المُنتجات بأسعار مرتفعة، وذلك تحت خانة New Collection. وبالتالي، تكون الحُسومات مُقتصرة على بضائع لم يتمّ تصريفها، ويجب أن تكون قد أرسلت أصلاً إلى محال مُتخصّصة بتصريف البضائع التي إنتهى موسمها و"مُوضتها". وبعض المحال يلعب على الكلام فيستخدم عبارة حتى 80%، فيكون الحسم الفعلي نحو 10 أو 20 % في أفضل الأحوال، والحسم 80 % يطال حصرًا بضاعة أقرب إلى الثياب البالية!

في قطاع الغذاء،غالبًا ما يقع المُستهلك على عروضات على رفوف كبرى المَحال التجاريّة، تروّج للعديد من السلع بأسعار مُخفّضة في حال شراء الرُزمة كاملة، وهذا الأمر فيه إلتفاف على الواقع في بعض الحالات! ففي حين أنّ جزءًا من العروضات صحيح ويدخل ضُمن المُنافسة الحادة بين العلامات التجاريّة المُختلفة، فإنّ الكثير من العروضات الأخرى مُضلّل ومُرتبط بسلع إقترب موعد نهاية صلاحيّتها، ما يستوجب تصريفها بالسرعة اللازمة، تجنّبًا للإضطرار إلى إتلافها.

في الختام، طالما أنّ الشراهة في الكسب المادي السريع واللامحدود، صارت صفة غالبة ومُشتركة بين العديد من التجّار، وطالما أنّ حُقوق المُستهلك غير مُؤمّنة من قبل العاملين بقطاع التسويق التجاري، وطالما أنّ هذه الحُقوق غير محميّة من قبل السُلطات الرسميّة، فإنّ الخيار الوحيد المُتاح لتوفير الحدّ الأدنى من الحماية للزبائن وللمُستهلكين، يتمثّل بالتوعية وبالتنبيه إلى ضرورة التحقّق مِمّا يشترونه وبالتمعّن بما يُوقّعونه من مُستندات، حتى لا يقعوا ضحيّة الغشّ التجاري الذي صار يندرج ضُمن "الشطارة" التي يتغنّى بها بعض اللبنانيّين عُمومًا وبعض التجّار خُصوصًا، والتي ما هي في الواقع سوى وسيلة "تشليح" لأموالهم أو "سرقة بشرف" كما يُطلق عليها الكثير من اللبنانيّين من باب التهكّم!

1.تتحدّد المُوافقة تبعًا لدخلهم الشهري ولعمرهم ولغيرها الكثير من الشروط المُعتمدة عند الحُصول على قرض سكني.