.. ويبقى قانون الانتخاب عقدة العقد عند رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط. هذه العقدة التاريخية عمل السوريون على ردمها على مستوى عقدين لصالح "بيك المختارة". كلّ الاتهامات التي تعرّض لها السوريون في ما خصّ القانون الانتخابي ليست في محلها. همّ الرئيس الراحل حافظ الأسد كان بالدرجة الأولى مراعاة جنبلاط في القانون الانتخابي من منطلق الخصوصيات اللبنانية.
يعيش رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي عقدة الشعور بالمنطق الأقلوي، بطريقة أعقد من هواجس المسيحيين. أزمة قانون الانتخاب عنده في كلّ دورة انتخابية مسألة حياة أو موت.
ليس الأداء السوري وحده، قبل العام 2005، ضخّم دور جنبلاط في اللعبة السياسية. لكن معركة إخراج السوريين الدولية والخليجية من لبنان ساهمت بتعاظم نفوذه حيث وصف حينذاك بالقائد الفعلي لـ 14 آذار. وكما استمرأ لعبة السوريين استمرأ لعبة الرهان على الولايات المتحدة ضدّ سورية وضدّ حزب الله.
بقي رئيس التقدمي متمترساً خلف قرارات المسؤولين الأميركيين حتى العام 2008. فأحداث 7 أيار من ذلك العام وما تلاها من مواجهات في مناطق الشويفات والشوف وعاليه و"الزيادين" وما يُسمّى منطقة الباروك وصولاً إلى مرستي، كما قيل، وما أفرزته من حقائق في الوعي الجنبلاطي للعلاقة مع الشيعة، نقلت بيك كليمنصو من الرهان على الأميركيين والرئيس سعد الحريري و14 آذار إلى ما اصطلح على تسميته توازناً "بيضة القبّان".
أكمل جنبلاط انقلابه يوم 2 آب 2009 بالإعلان عن انتقاله من 14 آذار إلى الوسط، من فندق البوريفاج، حيث كان الحزب الاشتراكي يقيم جمعيته العمومية السنوية، وصولاً إلى مشاركته في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 كتأكيد لما أسماه يومذاك خيار الوسطية.
راعى قانون الدوحة رئيس اللقاء الديمقراطي كحال قوانين أعوام 1992 و1996 و2000 و2005 ما أدّى إلى أن يصل عدد أعضاء كتلة جنبلاط إلى 18 نائباً في دورات سابقة ورسوّها في دورة 2009 على 11 نائباً.
حالف الحظ جنبلاط بالتمديد للمجلس مرتين منذ العام 2013. لكن كوكب حظ التمديد سيغادره هذا العام مع الاتجاه إلى إجراء الانتخابات النيابية في أيلول المقبل وفق قانون الستين. قانون يشكّل اليوم بالنسبة له واقعاً مختلفاً نتيجة أحداث جديدة طرأت على الساحة السياسية وتمثلت بوصول الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة، وما رافق ذلك من ولادة الثنائية المسيحية وانعكاساتها على وضعيته في الجبل.
وعليه، فإنّ التحدّي الأكبر أمام جنبلاط يكمن أولاً بوفاء حلفائه له في بيروت والبقاع الغربي التي يأخذ فيهما نائبين درزيينBONUS ، وثانياً قدرة الثنائي الشيعي، الذي وضع رئيس التقدمي كلّ سلّته عنده، أن يفرض على الآخرين المحافظة على موقعه في قلب المعادلة.
كلّ الدلالات تشير إلى أنّ أبا تيمور يعيش هاجس الحصول على كتلة نيابية أقله من 9 نواب. وتؤكد مصادر مطلعة لـ"البناء" أنّ الزعامة الجنبلاطية ستبقى قادرة على الحياة بمنطق براغماتي ولن تُشطب. الشيخ سعد المتضعضع سنياً لن يذهب بعيداً بموضوع البيك. التوازنات ستبقى تحمي ظهره.
صحيح أنّ التحالفات لم تتضح بعد، لكن جنبلاط، كما تقول مصادره لـ"البناء" يؤيده 30 في المئة من "سنّة الإقليم" وهذا مسلّمٌ به. يغمز هؤلاء من مهرجان توريث تيمور بالتشديد على أنه كان مهرجاناً غير مسبوق من ناحية الحشد ذي الأغلبية السنية والدرزية. وتتطلع المصادر نفسها إلى التحالف الثنائي المسيحي من منطلق أنه لن يكون شاملاً أو معمّماً في الانتخابات بالإشارة إلى ترشيح الدكتور سمير جعجع ومن دون التنسيق مع التيار الوطني الحر لـ فادي سعد في البترون، ورئيس جهاز التنشئة السياسية في "القوات" انطوان حبشي في البقاع الشمالي.
الأكيد أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يعطي رئيس اللقاء الديمقراطي شيكاً على بياض. العلاقة بين بعبدا والمختارة ليست بأحسن أحوالها منذ أن شغل طارق الخطيب منصب وزير البيئة، ولم تكن يوماً "عسلاً" منذ عودة العماد عون من فرنسا.
والسؤال هل سينجح التقدمي الاشتراكي في إحداث خرق بعلاقته مع التيارين الأزرق والبرتقالي إذا تحالفا والزيتي معاً، فيرى نفسه أمام "التسونامي" من جديد؟
منذ نحو أسبوعين دعا اللقاء التشاوري الذي يرأسه محمد صبحي عبد الله إلى لقاء تكريمي للوزير الخطيب. كان الحضور حاشداً في منزل عبد الله في شحيم على المستويين الشعبي والسياسي (التيار الوطني الحر، القوات، والمستقبل) لكن اللافت تمثّل بغياب أيّ ممثل عن الحزب الاشتراكي الذي يقاطع، كما يبدو، أيّ نشاط للوزير الخطيب في الشوف.
فهل يشكل اللقاء الذي حصل في دارة عبدالله شكلاً من أشكال التنسيق مع "الوطني الحر" في الشوف انتخابياً؟ لا سيما أنّ هذه الجلسة لم تكن الأولى، فالقيادي البرتقالي غسان عطالله المرشح عن المقعد الكاثوليكي في الشوف زار عبدالله أكثر من مرة وعقد معه لقاءات خُصّصت للبحث في شكل التحالفات وفقاً للقوانين المطروحة.
تجزم مصادر مطلعة لـ "البناء" أن ترشيح عبد الله إذا تمّ التفاهم بينه وبين العونيين لن يسحب البساط من تحت قدمي النائب علاء الدين ترو، إنما من تحت قدمي النائب محمد الحجار، فما رشح من معلومات يشير إلى أنّ الرئيس الحريري قد يستعيض عن النائب المستقبلي السني بترشيح ماروني هو الوزير غطاس خوري بدلاً من رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون. وتلفت المصادر إلى أنّ مرشحي جنبلاط الدرزييْن والسنّي سوف يفوزون، بيد أنّ المفاوضات، قبل المعركة إنْ حصلت ستكون على مقعدي النائبين إيلي عون (الماروني) ونعمة طعمة (الكاثوليكي). فمقعد عون سيذهب حتماً إلى البرتقاليين، على عكس المقعد الكاثوليكي المرجّح أن يبقى لابن المختارة المموّل لجنبلاط والذي تربطه علاقة جيدة بالمملكة السعودية ورئيس الجمهورية.
هل يصبح "الستين" الموصوف بقانون جنبلاط، سكيناً يرتدّ عليه في الدورة المقبلة، أم يتجه اتجاهاً آخر...؟