في خطوة قانونية مستغربة وغير مفهومة، يطل بين الحين والآخر عبر وسائل الإعلام محامون يتسلحون بوكالتهم عن عائلة عسكري شهيد سقط في أحداث عرسال 2014 وما تلاها من حالات أسر وخطف قامت بها التنظيمات الإرهابية، مطالبين بإحالة ملف التحقيق الخاص بقتل العسكريين على المجلس العدلي. قد يكون السبب أن لإسم المجلس العدلي هيبة في القضاء لا تتمتع بها أي محكمة أخرى كونه يصدر أحكاماً مبرمة غير قابلة للإستئناف أو للتمييز أو للطعن أمام أي محكمة أخرى. ولكن بين المجلس العدلي والمحكمة العسكرية التي أحيلت اليها كل ملفات الإرهاب منذ بدء الحرب السورية وحتى اليوم، فارق كبير لناحية السرعة في صدور الأحكام. فارق لا يأخذه بعض المحامين بعين الإعتبار عندما يطالبون بإحالة ملفاتهم الى المجلس العدلي. وفي هذا السياق، يسأل قاض بارز، "أليس من مصلحة أهالي الشهداء أن تنهي المحكمة العسكرية تحقيقاتها وإستجواباتها ومرافعاتها وصولاً الى إصدارها الأحكام خلال مهلة زمنية لا تزيد عن سنة أو عن سنة ونصف كحدٍّ أقصى، بدلاً من إنتظار المجلس العدلي لسنوات وسنوات وربما لعشرات السنين كي يصدر حكمه النهائي في الملف"؟.
نعم المحكمة العسكرية قادرة على إنهاء أي ملف ومهما كثرت تفاصيله ووقائعه وعدد الموقوفين فيه، بسنة واحدة الأمر الذي لا يستطيع المجلس العدلي أن ينجزه بهذه الفترة الزمنية نظراً لطبيعة عمله، لذلك ترى أوساط قضائية أن مطالبة بعض المحامين بإحالة ملفات العسكريين الشهداء من المحكمة العسكرية الى المجلس العدلي، لا يمكن تفسيرها إلا بمنطق من إثنين: منطق الجهل القانوني وعدم تقدير العامل الزمني الذي يشكل أولوية لدى أهالي الشهداء المستعجلين دائماً لرؤية من قتل أبناءهم محكوماً بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة. ومنطق ثان يؤكد أن هؤلاء المحامين ينوون الترشح الى الإنتخابات النيابية المقبلة، ويستعملون ملفات العسكريين الشهداء في المزايدة الإعلامية لإيهام الرأي العام وأهالي الشهداء كما الناخبين المؤيدين للجيش اللبناني، بأن العدالة لن تأخذ مجراها إلا إذا أحيلت الملفات على المجلس العدلي، وهذا ما نطالب به.
وعن السرعة في المحاكمات، تستشهد الأوساط القانونية بملف إحداث عبرا الذي صدر فيه حكم الإعدام بحق الإرهابي أحمد الأسير بعد 31 جلسة، علماً أن الأحكام بحق الموقوفين كان يجب أن تصدر في الجلسة الرقم 14 لولا توقيف الأسير وهو يحاول الهرب من مطار بيروت الدولي، الأمر الذي فرض إعادة الإستجواب كونه قائد المجموعة المسلحة التي إعتدت على الجيش في عبرا والرأس المدبّر للعمليات الإرهابية.
إذاً، بين المحكمة العسكرية الدائمة ولو أن أحكامها قابلة للتمييز والمجلس العدلي صاحب الأحكام المبرمة غير القابلة لأي نوع من أنواع المراجعة، مصلحة أهالي الشهداء أن تبقى ملفات أبنائهم أمام المحكمة العسكرية، مهما قال بعض المحامين ونظّر، لأن حكم المجلس العدلي لن تسمعه إلا الأجيال القادمة، بينما الحكم النهائي في المحكمة العسكرية وعلى رغم تمييزه، سيصدر بحضور أهالي الشهداء لا أحفادهم.