وكأن لبنان الرسمي بمسؤوليه وأمنييه، لم يتعلم ولم يتعظ من جريمة العصر التي إرتكبت في 4 آب من العام 2020 يوم فجّر الإهمال واللامسؤولية العنبر رقم 12 وأسقط مئات الضحايا والشهداء، هذا من دون أن ننسى جرح حوالى ستة آلاف شخص وتشريد عشرات الآلاف من منازلهم.
نعم لبنان بمسؤوليه وأمنييه، لم يتعلم ولم يتعظ، والدليل بما سنرويه من فضيحة.
يوم الإثنين الفائت، شبّ حريق بالقرب من حرم مرفأ بيروت وتحديداً على بعد حوالى 400 متر من المدخل رقم 14.
صدّقوا أن المطعم الذي إحترق، عثر بداخله على خمس قوارير غاز أربع منها من القياس الكبير المخصص للأفران، غير أن العناية الإلهية منعت إنفجار أيّ واحدة منها، ولو حصل ذلك لوقعت الكارثة.
الفضيحة ليست بالحريق. انما هي بالوجود غير الشرعي لهذا المطعم، وهو واحد من أصل 250 كشكاً غير شرعي، يحتل أصحابها مساحة جغرافية من الأملاك العامة تزيد عن 15 ألف متر متربع، ويمارسون نشاطاً تجارياً وخدماتياً كالشحن وتخليص البضائع وتقديم المأكولات، كل ذلك من دون أن يدفعوا للدولة اللبنانية ليرة واحدة كبدل إيجار!.
صدقوا أن البعض من هؤلاء، يتعدى على أنابيب المياه التابعة للمرفأ وعلى شبكة الكهرباء التي تغذي المرفأ 24 على 24 ساعة، ولا من دولة ولا من يحزنون!.
صدقوا أن البعض من أصحاب هذه الأكشاك لا يكتفي بسرقة الكهرباء بل يعيد بيعها بدوره لآخرين عبر كابلات وإشتراكات ويتقاضى منهم بدلات مالية مقابل بيع المسروق!.
صدقوا أن في داخل هذه البؤرة الأمنية المؤلفة من 250 كشكاً غير شرعي، مخدرات ودعارة، وهذا مثبت بأكثر من برقية أمنية!.
صدقوا أن وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن أصدرت قراراً بتفكيك هذه البؤرة لكنها بقيت من دون تفكيك.
وصدقوا أيضاً أن المجلس الأعلى للدفاع وبناء على تقرير أمني أعدّه رئيس مكتب أمن الدولة في المرفأ الرائد جوزيف النداف، قرر في العام 2023 إزالة هذه الأكشاك والقرار أحيل الى وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي ومنه الى محافظ بيروت القاضي مروان عبود، لكن البؤرة بقيت من دون تفكيك.
صدقوا أن وزير الأشغال علي حمية عاين الموقع منذ حوالي سنة وتفاجأ بحجم الفلتان والفوضى والمخالفات فيه، لكن البؤرة بقيت من دون تفكيك.
وصدقوا أيضاً أن المدير العام بالإنابة في المرفأ عمر عيتاني بُحّ صوته وهو يطالب بتفكيك هذه البؤرة، ولا حياة لمن تنادي.
صدقوا أن الدراسة الأمنية التي أنجزها خبراء فرنسيون أكدت أن مُجمّع الأكشاك هذا جعل المنطقة موبوءة أمنياً وأن من الضروري جداً إزالتها نظراً لما تشكله من خطر على أمن مرفأ بيروت.
أخيراً وليس آخراً، صدقوا أن إدارة مرفأ بيروت سبق أن عرضت على أصحاب الأكشاك نقلها الى مكان آخر على أن يتم تنظيم وضعها القانوني والأمني وشرط أن يدفع اصحابها بدلات إيجار ومياه وكهرباء للدولة، لكن البؤرة بقيت ولا تزال في مكانها غير الشرعي.
هذه البؤرة الأمنية المحاذية لمرفأ بيروت، هي من مخلفات الفلتان الذي يحكم البلد منذ سنوات وسنوات.
لذلك، وإذا كنا فعلاً قد دخلنا بمرحلة جديدة وبعهد جديد، عهد إعادة بناء دولة المؤسسات، الأمل كل الأمل بأن يبدأ رئيس الجمهورية عهده الآتي الى قصر بعبدا من قيادة الجيش، بتفكيك هذه البؤرة الأمنية ولو بالقوة تطبيقاً لقرار المجلس الاعلى للدفاع. فالمرفأ كما المطار بحاجة للأمن أولاً كي يكون مرفأ بكل ما للكلمة من معنى وكي يستعيد ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي، وكي يكون مطابقاً للمواصفات العالمية المعتمدة.