بالامس، بايع السوريون بطريقة شبه رسمية، قائدهم الجديد ابو محمد الجولاني الذي اصبح، خليفة بشار الاسد في الرئاسة. المبايعة تمت باغلبية شبيهة الى حد ما بالنتائج التي كانت تصدر خلال الاعوام الخمسين الاخيرة في الانتخابات الرئاسية، مع فارق بسيط وهي انها لم تتم هذه المرة بشكل رسمي، انما عبر طريقة "مودرن" وهي الاعلان عبر وسائل الاعلام.
وفيما تم الاعلان عن موت الاسد سياسياً ومعنوياً، تم الهتاف بحياة الجولاني رئيساً قائماً بالاعمال، اي بصلاحيات رئاسية ويقوم مقام الرئيس حتى اشعار آخر. هذا الامر كان متوقعاً بطبيعة الحال، خصوصاً بعد "العفو العام" الذي صدر بحق الرئيس الجديد من قبل الولايات المتحدة الاميركية، والذي مهّد له الطريق لفتح الابواب التي كانت مغلقة في وجهه دولياً واقليمياً وعربياً، وبدأ صفحة جديدة من حياته مختلفة عن تلك التي كان يعيشها سابقاً. اليوم، يتعاطى العالم كله، ومنه لبنان، مع الجولاني كأعلى سلطة في سوريا، ويجب الاخذ في الاعتبار ان الكثير من الامور ستتغيّر في العلاقات معه، فهو حكماً ينفّذ اجندة غربية وهو ما يريح الجميع، واذا نجحت روسيا في احداث خرق ما على هذا الخط، تكون جهودها قد نجحت في تحويل سوريا الى مساحة اكبر لتواجد مراكز نفوذ كبيرة فيها، في ظل تواجد الاميركي والاسرائيلي والتركي والاوروبي (بشكل اخف) على الاراضي السورية، ومن غير المتوقع بتاتاً الحديث عن الطلب من هذه القوى المغادرة، ما يعني ان سوريا ستبقى حتى اشعار آخر، تحت نفوذ خارجي بشكل مباشر وغير علني.
هذا الامر هو بحد ذاته سيف ذو حدين، فمن جهة يمكن الاطمئنان الى انه ليس هناك من طرف واحد يعود اليه القرار، ويجب التنسيق بين مختلف هذه الاطراف للخروج بموقف يرضي الجميع، وبالتالي ستتم مراعاة المصالح كلها وهو امر ايجابي لان الدول المحيطة (ومنها لبنان) تدفع ثمن اي موقف او قرار يتم اتخاذه هناك، على ما اظهرته السنوات الطويلة في هذا المجال. وفي المقابل، هناك وجه سلبي مفاده انه للوصول الى مثل هذا الموقف الموحد، قد تخلق الدول بعض الاضطرابات والمشاكل في سوريا وستؤثر بطبيعة الحال على جيرانها وفي مقدمهم لبنان. ما يمكن تأكيده هو انه في الصورة الجديدة للمنطقة، اصبح النفوذ الاميركي اكثر قوة، مع تعزيز واضح للنفوذ التركي، فيما تراجع النفوذ الايراني والعربي من دون ان يتم الغاؤه، ويجاهد الاوروبيون لعدم تدهور نسبة نفوذهم، فيجولون على الجميع لضمان بقائهم في مركز متقدم.
اما عن العلاقة مع لبنان، فسيلتزم الجولاني بما تم وضعه من مسار ولن يخرج عنه، وبالتالي ستتغير فلسفة الامور، خصوصاً بالنسبة الى النظرة الى اسرائيل، وهذا الامر سينعكس ايضاً على لبنان الذي من المتوقع ان تخف حماسة مقاومته لاسرائيل في فترة ليست ببعيدة، على ان تبقى عدوة الى حين استكمال التطبيع مع الدول العربية، والتي سيلحق بها لبنان بعد اعتراض لن ينفع على المدى الطويل. وللاسف، سيكون من الصعب ضبط الحدود، انما ستكون الامور اكثر انضباطاً، بمعنى انه لن تكون هناك حرية للارهابيين بالانتقال من والى البلدين الا حين تفرض المصالح الخارجية ذلك، والا فسيقتصر التهريب على بعض المواد والبضائع وغيرها... من دون الوصول الى امور السلاح حتماً.
هل سيختلف الجولاني عن الاسد في ما خص لبنان؟ بالطبع، لان الظروف التي سنحت للاسد لم تسنح لخليفته الجديد، والفظائع التي ارتكبها الاسد الاب والابن بحق السوريين واللبنانيين على حد سواء بمباركة دولية واقليمية وعربية، غير متوافرة للجولاني لان المباركة تم سحبها، وقد يكون الرئيس السوري الجديد (او لا يكون) على استعداد لعيش مغامرة عاشها سلفه قبله، ولكن من الصعب معرفة الجواب، لانه لن يحصل على الضوء الاخضر في الاساس لمثل هذه الامور، ولان اسرائيل وحلفائها قضوا على الجيش السوري وسلاحه وتركوا اسلحة تصلح فقط للتعامل مع الداخل...