تضعنا أيقونة دخول ربِّنا يسوع المسيح إلى الهيكل (2 شباط) أمام اصطفاف مقدَّس محوره الربُّ يسوع المسيح. اصطفاف قوامه سمعان الشيخ من جهة، ووالدة الإله وحنَّة النبيَّة ويوسف خطِّيب مريم من جهة أخرى. وما يجمع الجميع هو الطفل المحمول على يد سمعان والداخل إلى ما كان يُعرَف قديمًا بهيكل أورشليم، وكان اليهود يدعونه هيكل الله. وإذا سألنا: «من هو الداخل؟» لأتى الجواب: «الإله قبل كلِّ الدهور». فهل نقول إذًا إنَّ الداخل هو الإله المتجسِّد إلى هيكل الله الحجريِّ؟ لا، بل هو الإله المتجسِّد الداخل إلى هيكل الله اللحميِّ الَّذي هو نحن. لهذا يُدعى العيد عيدَ اللقاء، وهذا عنوان أيقونته Υπαπαντή-Ipapandi لقاء الله مع الإنسان، وتحقُّق كلِّ النبوءات في العهد القديم عن مجيء الربِّ المخلِّص. وهذا ما ننشده فرحًا وطربًا في تقدمة عيد الدخول، اليوم السابق للعيد: «إنَّ الكنيسة الموقَّرة تتأهَّب لتتقبَّل فيها الربَّ مقبلًا كطفل، ومنيرًا بالمواهب عقليًّا محفلها المؤمن المحبَّ للَّه، وتصرخ نحوه هاتفةً: أنت مجد كمالي وشرفه وزينته أيُّها الكلمة، يا من لأجلي صرت طفلًا بالجسد».
لقد صار الربُّ طفلًا بالجسد، ولكنَّه بقي إلهًا طبعًا، لذلك نرى وجه يسوع في الأيقونة وجه إنسان بالغ. هذا هو اللاهوت المسيحيُّ، وهذه هي المسيحيَّة. وعندما نقول إنَّ يسوع أتى من أجلنا، هذا معناه أنَّه أتى من أجل البشريَّة جمعاء، الَّتي كانت، والحاضرة، والَّتي ستولد. لهذا، فالمجيء بيسوع إلى الهيكل في هذا اليوم لم يكن مطلبًا في الشريعة كما أتى في سفر اللاويِّين (12: 2-8)، فكان يكفي أن تصعد والدة الإله من دون الصبيِّ، مع العلم أنَّها لم تكن بحاجة لأيِّ تطهير وتنقية، ولكن هناك دخول في تطبيق الشريعة لولوج التدبير الخلاصيِّ الإلهيِّ، فالإتيان بيسوع هو بُعد خلاصيٌّ مفاده أنَّ الهيكل الحقيقيَّ هو المسيح كما قال الربُّ لليهود عن الهيكل الحجريِّ: «أجاب يسوع وقال لهم: انقُضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيَّام أُقيمُه». لم يفهم اليهود كلامه واستغربوا قوله، «وأمَّا هو فكان يقول عن هيكل جسده» (يوحنَّا 2: 19-21).
هذا ما يجعل العيد عيدًا خلاصيًّا بامتياز، وهذا معنى اللقاء الإلهيِّ - البشريِّ، لأنَّ الربَّ تجسَّد ليعطي الشريعة مقصدها النهائيَّ، ألا وهو خلاص الإنسان وعودته إلى الله وتحرُّره من كلِّ نتائج السقوط، وأولى النتائج الموت. أدرك سمعان الشيخ هذا الأمر، حريّة الحياة الأبديّة التي كان ينتظرها بالروح القدس، فقال نشيده الشهير: «الآن تُطلقُ عبدك يا سيِّد حسب قولك بسلام، لأنَّ عينيَّ قد أبصرتا خلاصك، الَّذي أعددتَه قدَّام وجه جميع الشعوب» (لوقا 2: 29-31). يُلخَّص نشيده الرائع بعبارة قياميَّة Nunc dimittas بمعنى لننطلق الآن.
ننطلق إلى أين؟ ننطلق إلى الملكوت السماويِّ إذا كان هو شهوتنا من دون سواه، وإذا جاهدنا بتوبة صادقة وتواضع كبير لذلك. ننطلق إلى الحياة الأبديَّة إذا كانت السماء مشتهانا وليس التراب. ننطلق لننضمَّ إلى الَّذين يسبِّحون الخروف الفصحيَّ المذبوح لأجلنا والجالس على العرش السماويِّ الأبديِّ.
حنَّة النبيَّة الَّتي لم تكن تفارق الهيكل وتنتظر خلاص الربِّ أيضًا والواقفة خلف والدة الإله تذكِّرنا باللافتة الَّتي تحملها بأنَّ «كلَّ شيء به (بيسوع) كان، وبغيره لم يكن شيء ممَّا كان» (يوحنَّا 1: 3). إذا تبنَّينا آية يوحنَّا الإنجيليِّ وجعلناها محور حياتنا لَتذَوَّقنا خلاص الربِّ منذ الآن.
كذلك يوسف خطِّيب مريم الَّذي كان أوَّل من قفز من العهد القديم إلى العهد الجديد ودخل في الصمت الإلهيِّ عند علمه بحبل خطيبته مريم، ولم يشتكي عليها كما تنصُّ الشريعة، بل ضبط ردَّة فعل عدم فهمه للأمر، بسلام كبير وهدوء ملحوظ، وأتاه الجواب من الله؛ نراه يحمل يمامتَين ليقدِّمهما في الهيكل، ولم يأت بـ «خروف حَوْلِيٍّ مُحرقةً، وفَرخِ حمامة أو يمامة ذبيحةَ خطيَّةٍ» (لاويين 6:12).
يوسف ومريم اختارا يمامتين بدل حمامتين «وإن لم تنل يدُها كفايةً لِشاةٍ تأخذ يمامتين أو فرخَي حمام، الواحد مُحرقة، والآخر ذبيحة خطيَّة» (لاويين 8:12). هناك أبعد من أنَّ اليمامتين تؤكِّدان أنَّهما من عائلة متواضعة؛ اليمامتان تشيران إلى السلام أكثر من الحمام، والحمام يبدو قذرًا بعض الشيء مقارنةً باليمام الَّذي ليس برِّيًّا أيضًا كالحمام. كما أنَّ صورة الخروف الحوليِّ غابت مع يوسف ومريم لأنَّ يسوع هو الخروف المُقدَّم.
قبل التجسُّد الإلهيِّ كانت الشعوب تعيش في حالة انتظار وترقُّب، ومنها من كان يبحث ويتشوَّق، أمّا مع يسوع فأصبح الخلاص بين أيدينا وما علينا إلَّا قبوله وفتح قلوبنا لنلتقي به.
لا بدَّ قبل الختم أن نذكر نقطتين. الأولى أنَّ عيد دخول ربِّنا يسوع المسيح إلى الهيكل مذكور من القرن الرابع الميلاديِّ بعظات آبائيَّة، أمثال القدِّيسين كيرلُّس الأورشليميِّ وغريغوريوس اللاهوتيِّ والنيصصيِّ وبعدهم يوحنَّا الذهبيُّ الفم، ليصبح عيدًا رسميًّا في القرن السادس الميلاديِّ مع الإمبراطور Justinienبعد أن توقَّف وباء أصاب القسطنطينيَّة في تاريخ العيد، وكان قد سبق الوباء زلزال قويٌّ جدًّا.
النقطة الثانية، نجد في أيقونات العيد اختلافًا في تصوير يسوع، بين كونه محمولًا على يدي سمعان الشيخ وهو يشير إلى والدة الإله، وفي أخرى ينظر إلى سمعان الشيخ، وفي أيقونات أخرى نرى يسوع محمولًا على يدي والدة الإله الَّتي تقدِّمه إلى سمعان.
ختامًا، نصلِّي مع طروباريَّة العيد: «إفرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمةً، لأنَّه منك أشرقَ شمسُ العدل المسيح إلهنا، منيرًا الَّذين في الظلام. سُرَّ وابتهِجْ أنت أيُّها الشيخ الصدِّيق، حاملًا على ذراعيكَ المُعتِقَ نفوسَنا، والمانح لنا القيامة».
بسلام الربِّ نطلب.