يطل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري سنويّاً في بيروت، وتحديداً في ذكرى استشهاد والده مؤسس "تيار المستقبل" ورئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. ثم يغيب الحريري الإبن سنة كاملة، يقضيها في الإمارات العربية المتحدة، نتيجة قراره بتجميد عمله السياسي الذي اتخذه في كانون الثاني عام 2022، يوم اعلن تعليق عمله وتياره بالحياة السياسية، و"عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار".

مضت ثلاث سنوات، ولم يتغير قراره، فهل كان السبب فعلاً نتيجة قناعته بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة"؟

تغيّرت المسارات السياسية في لبنان والاقليم، ولم يعد النفوذ الإيراني ولا التخبط الدولي موجودا، بدليل نتائج الانتخابات الرئاسية وتكليف رئيس حكومة نواف سلام وتأليف حكومة جديدة، جميعها أتت من خارج سياق ما كان وضعه الحريري سبباً لتعليق حياته السياسية. كما ان النظام السوري الذي خاصمه الحريري سقط، والمصالحة الإيرانية - السعودية حصلت. فما هي حجة الحريري لبقاء قراره فاعلاً؟ هو سؤال يتردّد في مجالس مؤيديه قبل غيرهم.

لا بدّ هنا من الإشارة إلى ان شعبية الحريري لا تزال الأعلى في الوسط السنّي، بدليل ما توصل اليه استطلاع للرأي اجراه احد مراكز الاحصاء، ولم يُنشر في الايام الماضية، وهو امر يؤكده امتحان الشعبية السنوي، في احتفال ذكرى اغتيال والده.

إذا قرر الحريري العودة عن قراره، وخوض تياره الاستحقاق الانتخابي النيابي في العام المقبل، فستبقى شعبيته صامدة معه، امّا في حال كرّر الحريري وقائع السنوات الثلاث الماضية، فسينزح مؤيدوه إلى تيار او نحو مجموعة سياسية بديلة منه. علماً ان الأجيال الصاعدة تتعرّف على شخصيات سياسية اخرى، ولن تنتظر رئيس تيار "المستقبل" طويلاً. ويمكن الجزم ان عدم وجود شخصيات سياسية سنّية قادرة على جذب الجماهير، هو الذي ابقى مؤيدي الحريري إلى جانب "المستقبل"، فماذا لو استولدت المرحلة القليلة المقبلة شخصية تملك الكاريزما والقدرة والدعم السعودي مثلاً، فهل سيصمد الحريري؟