على وقع زيارة رئيس الجمهوريّة جوزاف عون إلى السعودية أمس، الّتي شكّلت الحدث الأبرز على المستوى الدّاخلي، أشارت مصادر رسمية لصحيفة "الجمهوريّة"، إلى أنّ "ممّا لا شك فيه أنّ جملة متغيّرات قد حصلت على مستوى المنطقة، ولبنان تأثر بها إلى حدود بعيدة، حيث فرضت وقائع لا تشبه ما كان سائداً في الماضي، سواء على المستوى السياسي أو على غير السياسي".

وأوضحت أنّ "ربطاً بذلك، فإنّ موقع لبنان الطبيعي هو داخل الحاضنة العربية، ومن هنا فإنّ العهد الرئاسي الجديد يتطلّع إلى دعم الأصدقاء والأشقاء، لتوفير متطلبات وعناصر تمكينه من تجاوز الأزمة، ولاسيما من قبل السعودية التي يعوّل لبنان على فتح صفحة جديدة من العلاقات الطبيعية والأخوية والصحيّة معها، بما يعود بالفائدة على البلدَين؛ وعلى لبنان تحديداً".

وركّزت المصادر عينها، على أنّ "السعودية التي كان لها الدور الفاعل في إتمام الاستحقاقات الدستورية في لبنان، تعوّل على العهد الجديد كفرصة للانتقال بلبنان إلى مدار الرخاء الذي يتوق إليه كل اللبنانيِّين. وهذا يتوقف على الأداء الحكومي والخطوات الواجب اتخاذها على هذا الصعيد".

ولفتت إلى أنّ "زيارة الرئيس عون إلى السعودية، تُعدّ أولى الخطوات المباشرة التي ستُبنى عليها خطوات أخرى متتالية، تؤسس لاستعادة العلاقات على نحو ما كانت سائدة في السابق، ويؤمل ألّا يطول الوقت لنرى دفق السيّاح السعوديّين والاستثمارات السعودية إلى لبنان".

كما شدّدت على أنّ "الدور الأساس في التعجيل بالمساعدات والاستثمارات، يقع على عاتق الحكومة اللبنانية في المبادرة العاجلة إلى التدابير والخطوات الإصلاحية الملموسة في شتى المجالات، وإلى الإجراءات الفاعلة والرادعة والصارمة، لاسيما على صعيد مكافحة الفساد والتهريب".

لا وقت محدّداً للمساعدات

إلى ذلك، أكّد دبلوماسي عربي لـ"الجمهوريّة"، أنّ "الوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته واجب أخوي وإنساني وأخلاقي، والحال نفسه مع إخواننا في قطاع غزة".

وعمّا إذا كانت المساعدات للبنان مشروطة، كشف أنّه "لم يُبحَث في هذا الأمر بصورة جدّية على المستوى الرسمي حتى الآن. هناك نقاشات ومداولات أولية لم ترقَ إلى عروضات وطروحات جدّية، خصوصاً أنّه حتى الآن لا يوجد إحصاء دقيق لحجم الأضرار التي تسبّب بها العدوان الإسرائيلي، ولا تقدير دقيقاً أيضاً لحجم كلفة إعادة الإعمار. أما في ما خصّ الشروط، فلا أحد يتحدّث عن شروط، بل ثمة تساؤلات صريحة عمّا إذا كانت هذه المساعدات إن حصلت لإعمار دائم، أو إعمار سيعود ويتهدّم بعد سنوات؟".

وعن مصادر التمويل، أشار الدبلوماسي إلى أنّه "لا توجد مصادر محدّدة. وربما تعتري هذا الأمر صعوبة، ذلك أنّ موضوع المساعدات دقيق وحساس في الظرف الحالي بالنظر إلى التحوّلات والمتغيّرات التي تتسارع في المنطقة، وإلى الأعباء الكبرى التي لم توفّر من انعكاساتها أي دولة عربية كانت أو أجنبية. وتبعاً لذلك لا وقت محدّداً للحديث جدّياً عن المساعدات للبنان، إذ يجب ألّا ننسى غزة وإعادة إعمارها".

أصدقاء لبنان يطالبونه بضمانات لمساعدته في إعمار المناطق المدمرة

في سياق متّصل، ذكرت صحيفة "الشّرق الأوسط"، أنّه "يبدو أن الطريق ليست ممهدة عربياً ودولياً أمام لبنان للحصول على مساعدات مالية لإعمار ما دمّرته إسرائيل بدءاً بجنوبه، ما لم ينعم باستقرار دائم بتطبيق القرار 1701، وتحقيق الإصلاحات لقطع الطريق على تجدّد الحرب مع إسرائيل، بإسقاط ما تتذرّع به في احتفاظها بالنقاط الخمس، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته بإلزامها بالانسحاب منها".

وأوضحت أنّ "هذا يتطلب من "حزب الله" اتخاذ قرار شجاع بوقوفه وراء الحكومة في تأييدها الحل الدبلوماسي لفرض سيطرتها بالكامل على الجنوب، وانخراطه بلا شروط في مشروع الدولة للنهوض بالبلد من أزماته المتراكمة، وبالتالي تخليه عن سلاحه التزاماً منه بما نصّ عليه اتفاق الطائف بحصرية السلاح بيد الشرعية اللبنانية".

وأكّد مصدر سياسي لـ"الشرق الأوسط"، أنّ "أصدقاء لبنان ليسوا في وارد توفير المساعدات لإعادة إعمار البلدات المدمرة، ما لم يحصلوا على ضمانات بأن الحل الدائم وحده يحول دون تجدد الحرب، شرط أن يمتنع "حزب الله" عن التفرُّد بقراره من دون العودة إلى الحكومة، لأنهم يرفضون أن يتحولوا إلى صندوق مالي يقدّم مساعدات في كل مرة يقرر الحزب الدخول في مواجهة مع إسرائيل لحسابات إقليمية. بالتالي فإنهم على استعداد لمساعدته لمرة واحدة وأخيرة، على أن يلتزم الحزب بحصر السلاح بيد الدولة تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية، وإلا فإن لبنان سيبقى وحيداً إذا لم يلتزم الحزب بدفتر الشروط الذي يمنعه من استخدام سلاحه كلما شاء".

ولفت إلى أنّ "الحزب لم يكن في حاجة لإسناد غزة، الذي أدخله في مغامرة عسكرية شكلت إحراجاً لحكومة رئيس الوزراء السّابق نجيب ميقاتي التي فوجئت بقراره، وكانت آخر من يعلم به أسوة بالقوى السياسية، ومنها المتحالفة معه".

ورأى المصدر أن "الحزب تجاهل الحكومة وأوقع نفسه في سوء تقديره لرد فعل إسرائيل، وها هو يطالب اليوم حكومة نواف سلام بإعادة إعمار المناطق التي دمّرتها إسرائيل، رافضاً ربطها بشروط سياسية، على حد قول عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسين الحاج حسن".

وتساءل: "ما الفائدة من مزايدته الشعبوية على الحكومة؟ ومن أين تؤمّن الأموال لإعمارها، رغم أن الحزب كان تعهد بإعادة إعمارها بأفضل مما كانت عليه، ليعود أمينه العام الشيخ نعيم قاسم لمطالبة الحكومة بأن تأخذ على عاتقها إعادة إعمار المناطق المدمرة؟".

كما دعا الحزب إلى "التواضع في قراءته المتأنية للتحوّلات في المنطقة، بخروج "محور الممانعة" بقيادة إيران من المعادلة السياسية في الإقليم، والوضع المستجد في لبنان بانتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، خصوصاً أنه لم يبقَ له من حليف سوى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الذي يُحسن ​سياسة​ تدوير الزوايا، ويوفر الحد الأدنى من الحماية السياسية للحزب؛ رغم أن الدولة وحدها هي التي توفر له الحماية المستدامة".

وشدّد المصدر على أنّ "لا جدوى سياسية لـ"حزب الله" بالذهاب بعيداً في مكابرته وإنكار الواقع المستجد في البلد"، معتبرًا أنّ "الحزب أمام فرصة لـ"لبننة" مواقفه، في ضوء التحول الإيجابي الذي اتسم به خطاب قاسم في تشييعه للأمينين العامّين السابقين للحزب حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، ومداخلة رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد في مناقشته للبيان الوزاري لحكومة سلام التي نالت ثقة البرلمان بأكثرية نيابية مريحة، وكان الحزب في عداد مانحيها".

وسأل: "ما الذي يمنع الحزب من تخليه عن بذلته المرقطة، طالما أنه يقف وراء الخيار الدبلوماسي الذي تتبعه الحكومة لإلزام إسرائيل باستكمال انسحابها من الجنوب، ويمتنع عن الرد على خروقها لوقف النار، وخصوصاً أن الجنوبيين في حاجة ماسة إلى أن يلتقطوا أنفاسهم ويعودوا إلى قراهم التي تبقى شبه مستحيلة، ما لم يسلم الحزب بضرورة تطبيق القرار 1701؛ كونه الناظم الوحيد لإلزام إسرائيل بالانسحاب إلى حدودها الدولية تطبيقاً لما نصت عليه اتفاقية الهدنة؟".

تحذير

من جهتها، ومع مواصلة إسرائيل خروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولات جيشها المتواصلة لتجاوز الخط الحدودي إلى الجانب اللبناني، بالتزامن مع تحليق الطيران التجسسي والحربي في الأجواء، أكّد مصدر أمني لصحيفة "الجمهورية"، أنّ "بقاء الحال على ما هو عليه من تفلّت إسرائيلي من الاتفاق سواء على الحدود، أو بالغارات والاغتيالات في الداخل اللبناني، سيؤدّي إلى اشتعال الأمور، إن لم يكن اليوم فغداً، أو بعد أسبوع أو بعد شهر. الوضع خطير جداً، وثمة رسالة مباشرة أُبلغت بها لجنة المراقبة ووُجِّهت إلى الأميركيِّين والفرنسيِّين والمراجع الأممية الدولية لتدارك هذا الأمر".

ولفت إلى أنّ "الأميركيِّين يقولون إنّهم ملتزمون بتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس، لكن الواقع على الأرض يخالف ذلك، إذ يترسّخ احتلال هذه النقاط أكثر بالتحصين والتدشيم الإسرائيلي لها"، كاشفًا أنّ "الجهد الدبلوماسي الذي يقوده رئيس الجمهورية جوزاف عون لإنهاء احتلال تلك النقاط التي تتذرّع إسرائيل بأنّها أخذت موافقة الولايات المتحدة الأميركية عليها، والبقاء في النقاط الخمس من دون سقف زمني، لم يقابَل بالتجاوب المطلوب معه، ولا سيما من قِبل الأميركيِّين، الذين يكتفون بالوعود".

خدمة للحزب

وأشارت الصّحيفة إلى أنّه "يبرز في هذا السياق، ما نُقِل عن دبلوماسي أوروبي، تحذيره ممّا سمّاه "وضع مقلق للغاية في جنوب لبنان"، رادًّا السبب إلى أنّ :بقاء احتلال النقاط يعني إبقاء حالة التوتر وأسباب عدم الاستقرار قائمة، فضلاً عن أنّه يوفّر ذريعة لـ"حزب الله" في إعادة تثبيت حضوره الأمني ومعاودة استهداف إسرائيل".

وركّز الدّبلوماسي عينه، على أنّ "الدوائر الدولية تتقاطع على أولوية نزع السلاح جنوبي وشمالي الليطاني، لكنّ احتلال النقاط الخمس بالإضافة إلى عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار، يوفّر ذريعة أمام "حزب الله"، يجعلها مستنداً للتصلّب وتمسّكه بسلاحه. فقادة الحزب قالوا إنّهم يتركون للدولة اللبنانية أن تقوم بجهد دبلوماسي لإنهاء الأمور، وأنا قلق جداً من حزب الله".