تعليقاً على اقرار الموازنة بمرسوم، لفت الخبير الدستوريّ الدكتور جهاد اسماعيل، في حديثٍ لـ"النشرة"، إلى أنه "من الثابت أن المرسوم الّذي جعل الموازنة نافذة جاء استناداً للمادة 86 من الدستور فور امتناع مجلس النواب عن بت الموازنة في عقد عادي واستثنائي على الرغم من طرح مشروع الموازنة على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً، وهذا المرسوم يمكن الطعن به أمام المجلس الدستوري عطفا على المادتين 1 و18 من قانون انشاء المجلس الدستوري لجهة صلاحية المجلس في الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص الّتي لها قوة القانون، وهو أمرٌ يعني - بديهياً - النصوص غير الصادرة عن المجلس النيابي، بل عن جهات أخرى، وتحديدا الحكومة، بمجرد أن تتضمن قالباً تشريعياً سنداً للمعيار المادي أو الموضوعي، بدليل أن مجلس شورى الدولة، في قرار رقم 43/2000، اعتبر ان المراسيم الاشتراعية، على سبيل المثال أو القياس، لا تقبل الطعن أمامه، لكونها تحمل مضموناً تشريعياً".

وأوضح اسماعيل أنّه "عندما يُصادف ان نصاً تشريعياً او دستورياً يثير غموضاً او التباساً، عندئذٍ لا يمكن حصر العمل بالمعيار الشكلي، بل قد تقضي الضرورة العمل بالمعيار المادي، بدليل أن المجلس الدستوري، في قرار رقم 4/2001، أثناء تفسير المادة 38 بمعرض الطعن أمامه، أطلق توصيف المبادرة التشريعية على المبادرات الصادرة عن الحكومة ومجلس النواب بمفروض عبارة "ان عبارة اقتراح القانون الواردة في المادة 38 من الدستور تعني أيضا مشروع قانون بمعنى كلّ مبادرة تشريعية تنطلق من إحدى السلطتين المشترعة أو الإجرائية اللتين لكليهما حق وسلطة المبادرة التشريعية في الدستور اللبناني"، مما يعني أن المجلس الدستوري تبنّى المعيار المادي لا الشكلي، أيّ في امكانية النظر إلى محتوى القاعدة فور تضمينها مضمونا تشريعيا وإن صدرت عن الحكومة".

وعما اذا كان في الإمكان الإستئناس بالتجربة الفرنسية، قال اسماعيل إنّ "المجلس الدستوري الفرنسي أعلن، صراحةً، عدم صلاحيته في النظر بالمراسيم الاشتراعية او المراسيم العامة، الا أن هذا الاعلان يأتي، من منظاره، في ظل غياب مادة حقوقية توليه النظر في صلاحية نصوص بقوة القانون كنص المادة 18 من قانون انشاء المجلس الدستوري اللبناني الذي جاء كتطبيق للمادة 19 من الدستور بمفروض عبارة "تحدّد قواعد المراجعة بقانون"، بدليل أن الفقرة الثانية من المادة 18 من قانون انشاء المجلس تقول بأنه لا يجوز لأي مرجع قضائي يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن أو بصورة غير مباشرة عن طريق الدفع، مما يعني أن حماية الدستور من قبل المجلس الدستوري، عند الطعن، تنهض فور صدور نص قانوني وما يقع في منزلته عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في آنٍ".

وشرح اسماعيل أنّ "عجز التفسير الحرفي للمادة 19 من الدستور اللبناني عن سدّ الفراغ التشريعي يقودنا إلى الركون لمدرسة "التفسير العلمي" الّذي يقف عند إرادة المشرّع، وهي إرادةٌ جرت معرفتها في قانون ذات الصلة وتحديداً في مادتي 1 و18 من قانون انشاء المجلس الدستوري انسجاماً مع انتهاج المجلس الدستوري في الارتكاز على مدرسة التفسير العلمي في تفسير مادتي 38 و75 من الدستور، مما يعني حصر مدرسة التفسير الحرفي للمادة 19 يُؤدي، خلافًا للمنطق، إلى استبعاد القوانين الدستورية من الطعن امام المجلس الدستوري، في حين ان انتهاك الدستور قد يأتي في قالب قانوني أو في قالب دستوري".