سجّلت الأسابيع القليلة الماضية تطوراتٍ بالجملة حول سوريا، لم تكن جميعها في الحسبان لا عند المعارضين ولا الحكومة في دمشق. كانت الدول الداعمة للمقاتلين في سوريا تعوّل على تحقيق مكتسبات ميدانية تصرفها في مؤتمر "جنيف 2". لم يستطع المسلحون إنجاز أيّ تقدمٍ في الغوطة الشرقية لدمشق بعد الهجوم الذي استوعبه الجيش السوري سريعاً وقتل مئات عناصر النخبة من المقاتلين. الضربة الكبرى التي أصابت المسلحين حصلت في القلمون من خلال استعادة الدولة السيطرة على دير عطية والنبك وبقيت يبرود ورنكوس على طريق الجيش السوري كما بدا، فيما تكاثر رمي المسؤوليات عند مجموعات المسلحين على بعضهم البعض.
بين الغوطة والقلمون إشارة لافتة تستند إلى إنجاز الجيش في كسب أوراق جديدة كانت المعارضة تعتقد انها ستكون في مصلحتها لتوظيفها في جنيف.
في شمال سوريا المشهد كان مختلفاً في الشكل لكن بنفس النتائج. صراع بين مجموعات تنتمي لـ"داعش" وأخرى تنتمي لفصائل أخرى وصلت إلى حدّ التصفيات المتبادلة. لا سلطة فعلية لـ"الجيش الحر" ، بات مجرّدَ إسمٍ على الجدران خطه مسلحون في الأشهر الماضية. الأعلام السوداء وحدها تلوح، والشعارات الاسلامية تتصدر. المتطرفون سيطروا على معظم المراكز التي تتبع "للمجالس العسكرية للثورة". الهواجس بدأت تزداد في الغرب حول مخاطر التطرف، خصوصاً بعد الكشف عن أعداد كبيرة من المقاتلين الآتين من اوروبا الى سوريا، أين سيذهبون لاحقاً؟ وهل يعودون إلى بلادهم؟
سمحت الحكومات الاوروبية لأجهزة استخباراتها بالتواصل مع المخابرات السورية للإستفادة من إفادات الموقوفين. في البداية تعاونت دمشق واستقبلت الموفدين الأمنيين، لكنها أوقفت التعاون لاحقاً واشترطت فتح السفارات في سوريا للتواصل عبرها. أرادت دمشق أن يكون التعاون "عالمكشوف". وعد الأمنيون الأوروبيون بالضغط على حكوماتهم لإستعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وفعلا رفعوا طلباتهم للاتحاد الأوروبي. التدرج بدأ بتعليق المساعدات العسكرية للمعارضة السورية بعد ان كانت الدعوات تنصب سابقاً للتسليح.
على خط آخر لم يحصل تغيير في الموقف السعودي، المعلومات ذكرت أن إجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدير الإستخبارات السعودية بندر بن سلطان كان متوتراًً أكثر من الإجتماع السابق. لم يقبل الروس بالتراجع خطوة وتمسكوا بمواقفهم تجاه سوريا، وبدا بن سلطان مصراً على طرحه كمن يخوض حرباً وجودية مع النظام السوري. حتى سُرب عن الروس حديث مفاده أن المسألة بالنسبة الى الرياض تبدو كمن يخوض معركة ملكه.
لا يجد المطلعون أن المسائل الإستراتيجية التي باتت في مصلحة دمشق يمكن أن تقلل من حجم المخاطر الأمنية، بل على العكس المنطقة كلها تغلي، والعارفون يتحدثون عن تفجيرات ستزداد في الأشهر المقبلة.
تبدو الساحة المسيحية هي الأضعف. المطرانان المخطوفان لا يزالان على قيد الحياة كما يتحدث مصدر أمني مطلع. لكن ما سر إستمرار خطفهما؟ ولماذا خطف الراهبات من معلولا؟
تتحدث المعلومات عن أن المجموعة التي خطفت المطرانين شيشانية، لكن مجموعة أخرى أقل تطرفاً عرضت على الشيشانيين "مقايضة المطرانين بمخطوفين آخرين من بينهم روس"، وافق الشيشانيون وسلموا المطرانين للمجموعة التي لم ُتعرف غايتها في مواصلة خطف المطرانين حتى الآن وأهدافها، علماً ان مجموعة المخطوفين التي تسلمها الشيشانيون مقابل المطرانين لا تضم مواطنين روس، كانت عملية إغراء للقبول بالمقايضة، ما يعني أن هناك حاجة للمطرانين المخطوفين.
قضية راهبات معلولا تبدو أقل صعوبة و قطر جاهزة للعب دور كما حصل تماماً في قضية " مخطوفي أعزاز". من هنا كان رصد تحرك المدير العام للامن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم باتجاه الدوحة في الأيام الماضية بعد تسريب صور الراهبات المخطوفات على قناة الجزيرة القطرية.
أين لبنان من كل ما يجري؟
أجهزة أمنية جمعت معلومات عن خطط تُعَدُّ لتفجيراتٍ في المناطق المسيحية. لذلك اتهم "الجيش السوري الحر" العماد ميشال عون زوراً بإرسال مقاتلين إلى سوريا، لتمهيد الأرضية والقول لاحقاً أنّ تدخل عون جذب ردود الفعل إلى لبنان وتحديداً إلى المسيحيين، تماماً كمل حصل مع " حزب الله". الفارق أنّ الحزب لديه القدرة على القتال في سوريا ولكن لا قدرة لعون أو تياره على المشاركة في جبهات عسكرية، أساساً المشاركة تخلّف قتلى وجرحى، فأين قتلى " التيار"؟ انه إدعاء مقصود لتشريع التفجيرات في لبنان وتحميل عون المسؤولية.
لا يبدو لبنان بمنأى عن الأعمال الإرهابية التي تشكل إستمراراً لتفجيرات السفارة الإيرانية والضاحية الجنوبية، عدا عن القنابل الموقوتة في طرابلس والمخيمات الفلسطينية التي تهتز يومياً، يضاف إليها مخيمات النازحين السوريين. لكن التركيز على المناطق المسيحية في لبنان يشكل إمتداداً لمشروع إستهداف المسيحيين على مساحة المنطقة. الأجهزة الأمنية اللبنانية تكثف مهامها، وتملك معلومات وخيوط قد لا توصل الى كل الشبكات لأن طريقة عمل المتطرفين تقوم على السرية والمجموعات الصغيرة غير المترابطة، إلا أن الإعلان عن المعلومات قد يفوت على المخططين فرصة السرية أو كسب الأوراق التي تصبح مكشوفة.