في العام 2002، استعمل الرئيس الاميركي آنذاك جورج بوش الابن عبارة "محور الشر" في خطابه الى الامة(1). وقد استخدمت هذه العبارة لتجييش الرأي العام الاميركي وتحضيره لاعلان الحرب على العراق.
اليوم، لا يبدو الرئيس الحالي باراك اوباما في وارد شن حروب على اي دولة، وهو تردد كثيراً قبل اعلان الحرب على "داعش" وهي منظمة ارهابية وليست دولة، حتى انه حشد جيوشاً اخرى لمساندته واكد عدم دخول الجيش الاميركي في مواجهة برية معها.
ولكن القلق الاميركي بات حالياً في مكان آخر، وهو آخذ بالنمو بشكل مضطرد بفعل التنسيق شبه الدائم بين بلدين "يتحديان" السلطة الاميركية سياسياً واقتصادياً اي روسيا والصين. وقد كان هذا التنسيق احد الاسباب المهمة في عودة روسيا الى الساحة الدولية وبقوة، وفرض رأيها في قضايا دولية عدة، حتى ان الحديث بات يتردد عن عودة القطبين الاميركي والروسي للتحكم بالعالم بعد سيطرة اميركية مطلقة.
ويبدو ان الصين لم تعد تكتفي بالتوسع الدبلوماسي والسياسي، بل قررت التحرك ميدانياً ايضاً. وقد كان لافتاً وصول مدمرتين صينيتين الى مرفأ بندر عباس الايراني في 21 ايلول الفائت. لم يكن الخبر عادياً، لانها المرة الاولى التي ترسو فيها قطع حربية صينية في ايران، ناهيك عن ان الهدف المعلن هو اجراء مناورات بحرية مشتركة، فيما الاهداف الخفية اكثر خطورة واستراتيجية.
ويمكن تبرير القلق الاميركي من هذه الخطوات. فالبحرية الايرانية تتقدم بشكل سريع من النواحي التقنية، وان اي تواصل وتنسيق مع قوة كبيرة عديداً وتقنياً كالصين كفيل بتعزيز هذه الخطوات وابراز عناصر قوة كانت تحتاجها ايران لمنع احد من تهديدها بالسيطرة على مضيق هرمز الاستراتيجي.
واضافة الى الخوف الذي سيطر على الاميركيين من القدرات البحرية للصينيين (يتفوقون حالياً على الاميركيين في القوات البحرية ان من ناحية عدد الاساطيل او حتى الغواصات وحاملات الطائرات والسفن القادرة على اطلاق الصواريخ)(2)، فإن توسعهم ميدانياً نحو الخليج العربي (الخليج الفارسي بالنسبة الى الايرانيين) للمرة الاولى ينبىء بما هو اسوأ.
من جهتها، كانت ايران ايضاً، ولا تزال، محط اهتمام روسي منذ سنوات، وقد نجح التعاون بينهما في "فرض" الأولى كقوة نووية "سلمية"، واجبرت طهران القوى الكبرى على اجراء مفاوضات معها لا تزال مستمرة حتى اليوم دون معرفة مدى تقدمها او تراجعها.
واذا كانت ايران نجحت في ان تكون عنصر الاهتمام المشترك بين روسيا والصين، فإن الولايات المتحدة لن تتأخر في اعتبار الدول الثلاث "محور شر" جديد بالنسبة اليها. ولعل ما اعلنته طهران من تعاون مع بكين وموسكو لكسر الحظر المفروض عليها مع الغرب(2)، يتقاطع مع ما كانت عبّرت عنه الصين بدعوتها الى انشاء بنية آسيوية جديدة للتعاون الامني(3).
كل هذه المعطيات تدفع واشنطن الى اخذ اقصى درجات الحذر مما يحاك من هذه الدول الثلاث، مع فارق اساسي وهو ان تجمّع هذه الدول لا يمكن مواجهته عسكرياً ولا حتى سياسياً دون اندلاع حرب عالمية ثالثة، ولن تنفع بالتالي الاستراتيجية السابقة التي قضت باضعاف احد ركائز هذا "المحور" كما حصل مع العراق.
اما البديل، فيبقى باعتماد سياسة الحرب الباردة والنفس الطويل، كما حصل مع الاتحاد السوفياتي السابق حيث نجحت اميركا في هز اسس خصمها اللدود، واوقعته ارضاً تحت ستار "البريسترويكا". وما على الولايات المتحدة سوى انتظار شاه ايران جديد او ميخائيل غورباتشيف جديد او حادثة "تيان أن مين" جديدة لتكون بمثابة نافذة لخرق هذا المحور الثلاثي والعمل على تقويضه.
لن يطول الامر قبل استفاقة المارد الصيني، ولن يكون من الممتع رؤيته في الجهة نفسها الى جانب ايران وروسيا، وسيكون للاميركيين رد في مكان ما وبطريقة ما، الا ان المؤكد ان هذا الرد لن يكون خلال ولاية الرئيس الاميركي الحالي، بل ربما خلفه او من يليه، في انتظار تطورات الاحداث المتسارعة.
(1) في 29/1/2002، استعمل الرئيس الاميركي جورج بوش الابن عبارة "محور الشر" لوصف الحكومات التي اتهمها بمساعدة الارهاب والسعي الى اسلحة دمار شامل، وضم المحور المذكور: ايران، العراق وكوريا الشمالية.
(2) في 8/9/2014، اعلن نائب وزير النفط الايراني للتخطيط منصور معظمي قوله ان ايران بدأت مرحلة جديدة من التعاون مع روسيا والصين لمواجهة العقوبات المفروضة من الغرب. كما اعلن انه تم تعيين وزير النفط الايراني رئيساً للجنة الاقتصادية المشتركة الايرانية-الروسية بدلاً من وزير الخارجية.
(3) في 21/5/2014، دعا الرئيس الصيني كزي جينبينغ الى انشاء بنية اسيوية جديدة للتعاون الامني اساسها مجموعة اقليمية تضم روسيا وايران وتستبعد الولايات المتحدة.