في الوقت الذي كان فيه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، يتحضر لإبلاغ أعضاء مجلس الأمن الدولي، بموافقة الحكومة السورية على إقتراح تجميد العمليات العسكرية في ​مدينة حلب​، كانت وحدات من الجيش السوري تبدأ عملية عسكرية، في ريف المدينة، لفرض طوق عليها، يساهم إلى حد كبير في تبديل المعطيات الميدانية، ويقطع طرق الإمداد عن المجموعات المسلحة فيها، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على أرض الواقع، خصوصاً أن قوى المعارضة لم تكن مرتاحة لخطوات الموفد الدولي منذ البداية.

في محصلة العملية العسكرية، نجح الجيش السوري، الذي كان الكثيرون يعتقدون أن تركيزه سيكون على الجبهة الجنوبية، في المرحلة الراهنة، في تحقيق إنجاز كبير في الجبهة الشمالية، التي كانت تمنع التعقيدات السياسية والعسكرية، المحلية والإقليمية، من إعادة تحريكها بشكل فاعل، لكن قوى المعارضة لم تجد إلا الأمم المتحدة لتحملها مسؤولية ما حصل من إنهيارات في صفوفها، مع العلم أن "مجلس قيادة الثورة" في حلب كان قد رفض قبل يومين مقابلة دي ميستورا.

التداعيات السياسية كبيرة

خلال ساعات النهار، كانت مصادر المعارضة السورية في مدينة حلب ترفض الحديث عن المعطيات الميدانية الفعلية، بالرغم من أن وسائل الإعلام السورية تنقل تفاصيلها، وتشير إلى أن السبب في ذلك يعود إلى الضرورات الأمنية التي تفرضها المعركة، خصوصاً أن المواجهات كانت لا تزال مستمرة في أكثر من مكان.

وتؤكد هذه المصادر، لـ"النشرة"، أن لهذه العملية العسكرية تداعيات سياسية كبيرة، خصوصاً أنها جاءت قبل ساعات قليلة من تقديم المبعوث الدولي تقريره إلى مجلس الأمن الدولي، وطرحه تجميد العمليات القتالية في حلب، الذي حظي بموافقة الحكومة السورية.

من وجهة نظر هذه المصادر، فقد أعطى دي ميستورا الشرعية للقوات الحكومية لتقوم بمثل هذا العمل، من خلال موقفه الأخير الذي أكد خلاله أن الرئيس السوري ​بشار الأسد​ سيكون جزءاً من الحل، وترى أن من الواضح أن الأمور وصلت إلى طريق مسدود، لا يبدو فيه أن هناك من حل إلا العسكري، وتشدد على أن "الثوار" مصرون على الإستمرار في المواجهة وإعادة فك الحصار من جديد، لا سيما أن العمليات في المنطقة هي عبارة عن "كَرٍّ وفَرٍّ" بين الجانبين.

بدوره، لم يكن "الإئتلاف الوطني السوري" بعيداً عن التطورات الأخيرة، حيث يرى العضو فيه خالد الناصر، في حديث لـ"النشرة"، أن الحكومة السورية تعمل على تغيير الأوضاع الميدانية على أرض الواقع إستباقاً لأي خطوات عملية، بالرغم من توقعه عدم تطبيق خطة دي ميستورا الخاصة بالمدينة فعلياً، حيث يشير إلى غياب فرص نجاحها بسبب غياب الضمانات وإنفصالها عن السياق العام للحل السياسي للأزمة.

بالنسبة إلى الناصر، يسعى الرئيس السوري بشّار الأسد من خلال العمليات العسكرية إلى كسب المزيد من الأوراق السياسية، وإستغلال "لعبة الوقت الميت"، ولا يتوقع حصول تطورات ميدانية أكبر في الجبهة الشمالية لأن الحكومة تعتبر أن معركتها المفصلية حالياً في الجبهة الجنوبية.

الأسد أسقط دي ميستورا

على الرغم من أن قوى المعارضة السورية تعتبر أن المبعوث الدولي يغطي العمليات العسكرية في ريف حلب، بشكل أو بآخر، إلا أنها في الوقت نفسه تعتبر أنها أحرجته، حيث تؤكد مصادرها في المدينة أن الرجل لم يعد في وضع يحسد عليه، وتشير إلى أن الأمر يعود إلى مواقفه الخاطئة منذ البداية، وتلفت إلى أنه سعى طوال الفترة السابقة إلى التنسيق مع الحكومة السورية وأخذ موافقتها بكل شاردة، من دون أن يقوم بالأمر نفسه مع قوى المعارضة، الأمر الذي دفع الفصائل إلى الإعلان عن رفضها الإجتماع معه.

وتشير هذه المصادر إلى أن الأسد أعلن فشل الخطة التي كان يراهن عليها دي ميستورا في حلب، وتتوقع أن يكون في طريقه لإعلان إستقالته من مهامه، ليكون مصيره شبيهًا بمصير المبعوثين السابقين الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان.

وتلفت هذه المصادر إلى أن طرح تجميد العمليات العسكرية في حلب، كان يعود به دي ميستورا دائماً حينما يتأخر النظام أو يتراجع، وهو يصبّ في خدمته أولاً، في حين كانت الفصائل المقاتلة تشدد على ضرورة ألا يقتصر على المدينة المذكورة، بل يجب أن يمتد إلى ريفها أيضاً بما يشمل توقف الغارات الجوية ومحاولات التطويق.

من جانبه، يشير الناصر إلى أن حظوظ التغيير منذ البداية كانت خجولة، بسبب العراقيل المختلفة التي وضعت في طريق المبعوث الدولي، لا سيما من جانب الحكومة السورية، ويعتبر أن رحيله بات أمراً محسوماً لأن الفشل سيكون مصير مبادرته.

في المحصلة، نجحت وحدات الجيش السوري في إحراز تقدم نوعي جديد على أرض الواقع، جعل من قوى المعارضة تذهب إلى تحميل المبعوث الدولي المسؤولية عنه، لتصبح الدعوات إلى رحيل دي ميستورا هي الطاغية على أي أمر آخر.