منذ اربعين يوما مضت وعند توافد مواطنين صائمين الى مسجد الامام الصادق بمنطقة الصوابر في الكويت لاداء فريضة صلاة الجمعة، خرجت يد حاقدة من رداء اعداء الوحدة الاسلامية في بلد ينعم بالاستقرار في منطقة الخليج، واستهدفت اكثر من 250 مصليا، بتفجير انتحاري أوقع 27 قتيلا و اكثرمن 227 جريحا بحسب بيانات وزارة الداخلية الكويتية.
وتبنى تنظيم داعش الموغلة يداه بارتكاب المجازر، مباشرة العملية الارهابية عبر بيان على صفحات الانترنت، مبديا افتخاره واعتزازه بالجريمة البشعة، إذ ان استهداف مسجد للشيعة في الكويت تعدّ سابقة وصدمة قوية في الوقت عينه منذ عقود. وانبرت وسائل الاعلام الاقليمية والعالمية بنشر الافلام والصورالمسجلة للحادث اللاانساني واشارت بعضها باصابع الاتهام للحكومة السعودية، لكون أن منفذ العملية سعودي الجنسية ويدعى "ابو سلمان الموحد" ويعتنق افكارا متشددة، وعلى ضوء اعترافات بعض المعتقلين من داعش الذين أقروا بالتخابر مع مسؤولين عسكريين واستخباراتيين سعوديين، فان الرياض تتصدر قائمة الاتهام في حادثة الكويت.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة لماذا تدفع الكويت ثمن الاستعلاء السعودي؟ وهل القرارات والاجراءات الاقليمية التي اتخذته الكويت، اغضبت القيادة الشابة والجديدة في السعودية؟ لماذا الشقيقة الكبرى للدول الخليجية قتلت شقيقتها الاخرى؟ ثمة وجهات نظر كثيرة حول هذه الاسئلة الا ان بايجاز ممكن القول:
اولا: ان من بين الدول الخليجية، يتمتع الشعب الكويتي بوعي سياسي ومستوى علمي جيد، مقارنة مع الدول العربية، بجانب التعددية الصحفية وحرية التعبير عن الرأي، وتنوع المشارب السياسية والمذهبية المتابينة عقائديا، أفضت جميعها الى بلورة مناخ سياسي منفتح نسبيا تحولت الكويت بموجبه الى أنموذج سياسي ديموقراطي متقارب مع الغرب. وعلى ضوء ذلك سعت الكويت بجانب سلطنة عمان الى تقديم نفسها كوسيط محايد في النزاعات الاقليمية، في الوقت الذي سئمت المنظمات الحقوقية من انتهاكات حقوق الانسان ومن الهيكلة السياسية المنغلقة في السعودية، بجانب تذمر شعوب المنطقة من التدخلات السعودية في الشؤون الداخلية لبلدانها.
ثانيا: قطر بجانب تركيا من اكثر الدول التي قدمت اشكال الدعم لوصول حركة الاخوان المسلمين للسلطة في المنطقة، وان هذا الدعم لطالما اصطدم برفض بعض دول المنطقة وتحديدا السعودية والامارت العربية المتحدة، حيث ان وبعد الاطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي ووصول العسكر الى السلطة عبر الفريق عبد الفتاح السيسي، في ظل تواصل الدعم الاعلامي والسياسي القطري للاخوان، ادى ذلك الى تدهورعلاقات قطر مع السعودية والامارات والبحرين التي قررت استدعاء سفرائها من الدوحة. واعلنت تلك الدول أن قرار الاستدعاء جاء اثر عدم التزام قطر بقرارات مجلس التعاون الخليجي، فيما اعتبرت الاخيرة عملية استدعاء السفراء تجاوزا لاطار مجلس التعاون. من جانبها رفضت عمان والكويت استدعاء سفرائهما او المبادرة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة. فيما راى البعض ان احجام الكويت عن استدعاء سفيرها في قطر كان منسقا وذلك لعدم ترك قنوات الاتصال مفتوحة للعب دور الوساطة بين الدوحة والرياض وباقي العواصم العربية، والذي حمل هذا القرار بطياته بعض الامتعاض من قبل الاشقاء في مجلس التعاون الخليجي ومنها السعودية.
ثالثا: منذ انطلاق الهجوم السعودي على اليمن، امتنعت بعض الدول مسايرة توجه القيادة الشابة ورفضت الانخراط بالحرب ومنها باكستان والكويت وعمان. ويبدو أن لقرارعدم التماشي اعباء باتت تتكشف رويدا رويدا. كما ابدت السعودية امتعاضها عن المشاركة المحدودة للكويت في عاصفة الحزم. وقال وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح في جلسة استجواب امام مجلس الامة الكويتي، إن قرار المشاركة جاء اثر ضغوطات سعودية وانها جاءت محدودة واقتصرت على عدد من الطلعات الجوية.
من جهة أخرى كانت مشاركة الكويت في ارسال قوات للبحرين لمساندة حكومة المنامة في اطار قوات درع الجزيرة محدودة للغاية، فيما لم تتدخل عُمان في البحرين واليمن اطلاقا، بل رعت اقامة حوار حول الاوضاع في اليمن بمشاركة مسقط وواشنطن وانصار الله، وأدى عدم التماشي الفاعل لهذين البلدين في مجلس التعاون الخليجي الى انكماش النفوذ السعودي في المجلس، وممكن اعتباره من العوامل الاساسية لعدم رضا الاشقاء السعوديين عن الحلفاء الخليجيين.
رابعا: تحدثت الصحف كويتية منذ 10 اشهر عن وقوع خلافات بين الكويت والسعودية بشان ملكية حقل نفطي مشترك، توقفت على اثره الانشطة بحقل "الدرة" النفطي الغازي المشترك منذ عام تقريبا الى كتابة هذه السطور. من جهة اخرى اصطدم توجه المسؤولين السعوديين للسيطرة على مناطق واسعة بحقل الخفجي النفطي، باعتراض شديد من الكويت التي كانت لها خلافات مع السعودية حول هذا الحقل تحديدا منذ سنوات. الكويت والسعودية تشتركان في حقل الخفجي والوفرة بمساحة 5 الاف كيلومتر مربع وبمعدل انتاج يومي يبلغ 500 الف برميل، وبحسب اتفاق ثنائي فانها ستستغلانهما لخمسين عاما.
وكانت قد نقلت جريدة "الجريدة" عن مسؤول كويتي "انه اثر انهيار المفاوضات مع السعودية وتفاقم الخلاف بين البلدين، فان الكويت طالبت رسميا بحل الخلاف النفطي عبر محمكة العدل الدولية في لاهاي". سبق ذلك نقل صحيفة "رأي اليوم" الالكترونية عن مصدرمطلع ان "الازمة النفطية بين الكويت والسعودية بلغت مرحلة الانفجار، وعلى نحو طالب المسؤولون الكويتيون شركة شيفرون النفطية الاميركية التي تعمل في المجالين النفطيين (الحقول المشتركة) بلملمة معداتها".
خامسا: اما فيما يخص التطورات الاقليمية والسياسة الخارجية، تناغمت الكويت مع الدول الخليجية، سيما السعودية وقطر في جامعة الدول العربية، وقدمت مشروع الغاء عضوية سورية من الجامعة، فضلا عن دعمها المعارضة السورية على مدى اربع سنوات، الا انها ومع تبدل الاولويات الاميركية من المطالبة باسقاط النظام السوري، الى تقويضه وانهاء وجود المجموعات المتطرفة ومنها داعش، تراجعت الكويت عن قراراغلاق السفارة السورية، واعادت فتح القسم القنصلي لتقديم الخدمات لـ 150 الف سوري يقيمون على اراضيها. يأتى هذا في الوقت الذي تقوم السعودية بانفاق مليارات الدولارات بغية اسقاط النظام السوري وتعمل على اعداد مجموعات مسلحة جديدة لهذا الغرض، فيما تعمد الكويت الى تطبيع العلاقات مع دمشق، ومن هذا المنطلق فان مخطط العنف ضد الكويت قد يكون مبررا.
وبالواقع فان السياسة الخارجية الموضوعية لقادة الكويت ازاء التطورات الاقليمية تتسم بالتغييروأن هذا يمثل تباينا دبلوماسيا مع بعض الاخوة الخليجيين. ولكن هل يستوجب الخلاف القائم بين البلدين أو "تصويب" مسار هذه السياسة تفجير بيوت الله؟ وهل من الضروري استهداف الصائمين في الشهرالذي أوقف رسول الاسلام القتال فيه، واللجوء الى سفك دماء الاخوة بالاسلام؟
وبعد سرد هذه المعطيات يستوجب علينا التأمل والسؤال هل الكويت بعد تلك الاحداث ستبقى تحت مظلة الشقيقة الكبرى؟ تلك اسئلة يتطلب الاجابة عليها التريث، ما سيسفرعن قرارات واقعية للحكومة الكويتية.
* باحث في شؤون الخليج