في ظل المشاورات والإتصالات السياسية القائمة بين أكثر من جهة، على الصعيدين الدولي والإقليمي، بالنسبة إلى الحرب السورية، يبرز مؤتمر فيينا الثاني، المرتقب انعقاده يوم السبت المقبل، في ظل المساعي التي تقوم بها بعض الجهات الداعمة لقوى المعارضة المسلحة، من أجل إنتاج فصائل وكتائب من الممكن تبنيها بشكل علني، خصوصاً بعد أن أصبحت محاربة الإرهاب العنوان الأول، في أي مباحثات ثنائية أو جماعية متعلقة بأوضاع منطقة الشرق الأوسط.
بالأمس، حدد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، إمكانية التعويل على نتائج إيجابية لمؤتمر فيينا، بالتوصل إلى توافق حول قوائم التنظيمات الإرهابية التي تنشط في سوريا، الأمر الذي تعتبره مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، نقطة مفصليّة في مسار الأحداث، لكن من المستحيل في الوقت الراهن تحقيقه، نظراً إلى إعتبارات عدة، تتمثل بشكل رئيسي في عدم وجود أي فصيل معارض فاعل يمكن الجزم بعدم إرتباطه بعلاقات مع جماعات إرهابية، بالإضافة إلى أن هناك فصائل تصنّف من قبل الولايات المتحدة وروسيا بالإرهابية، في حين ترى فيها بعض الدول الإقليمية قوى "معتدلة".
في هذا السياق، تشير هذه المصادر إلى أن القوى الأساسية المعارضة على الأرض السورية هي جبهة "النصرة"، حركة "أحرار الشام"، "جيش الإسلام"، تنظيم "داعش"، "قوات سوريا الديمقراطية"، بالإضافة إلى مولود جديد يحمل إسم "جيش سوريا الجديد"، وفصائل غير منظمة منضوية في "الجيش السوري الحر".
وتلفت المصادر نفسها إلى أن ليس هناك من نظرة موحدة حول مختلف هذه القوى، بين الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة، باستثناء "داعش" الذي يجمع الكل على أنه منظمة إرهابية لا يمكن القبول بأي دور سياسي لها في المستقبل، بل على العكس من ذلك ينبغي القضاء عليها بأسرع وقت ممكن.
وتوضح هذه المصادر أن وجهة النظر الروسية تعتبر أن أغلب هذه الفصائل إرهابية لا يمكن التعاون معها، وترى من الضروري البحث جدياً في ما يمكن تصنيفه معتدلاً منها، في حين أن واشنطن تصنف "النصرة" إرهابية، ولديها شكوك حول إرتباطات "أحرار الشام" بتنظيم "القاعدة"، خصوصاً أنها من أبرز حلفاء جناحه السوري، من خلال التعاون بينهما في غرف عمليات "جيش الفتح"، وتعمل على تعزيز دور كل من "قوات سوريا الديمقراطية" و"جيش سوريا الجديد".
في المقابل، تعول قطر وتركيا على دور حركة "أحرار الشام"، التي لها علاقات علنية مع الدولتين، بالإضافة إلى أن أنقرة والدوحة تسعيان لدفع "النصرة" إلى فك إرتباطها بـ"القاعدة"، أو على الأقل التمييز بين عناصر الجبهة وقيادة التنظيم، في مفارقة لافتة لا يمكن القبول بها من القوى الدولية الفاعلة بسهولة، لكن لدى الحكومة التركية مشكلة حقيقية مع الولايات المتحدة، متعلقة بالموقف من "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تسيطر عليها قوات "حماية الشعب الكردي"، المصنفة إرهابية من جانب أنقرة، نظراً إلى إرتباطها بحزب "العمال الكردستاني"، في وقت ترى فيها الولايات المتحدة الحليف الأبرز.
بالنسبة إلى الحكومة السعودية، يعتبر "جيش الإسلام" هو الممثل الأول لها على الأرض السورية، نظراً إلى إرتباط قائده زهران علوش القوي بها، إلا أن المصادر نفسها ترى أن تلميع صورة هذا "الجيش" ليس بالأمر السهل على الإطلاق، نظراً إلى إستهدافه المدنيين في العاصمة السورية دمشق بالقذائف الصاروخية بشكل دائم، بالإضافة إلى إستخدامه المدنيين كدروع بشرية، وهو ما ظهر في الأيام الأخيرة من خلال وضعه الأسرى في أقفاص حديدية داخل مناطق الإشتباك، بهدف منع الطيران الروسي من إستهداف أماكن تواجده، الفعل الذي صنفته منظمات إنسانية دولية بارزة بـ"جرائم حرب".
إنطلاقاً من ذلك، تُفسر المصادر المطلعة عمليات إعادة الهيكلة التي تحصل على مستوى المعارضة السورية المسلحة، التي بدأت بولادة ما يسمى "جيش الشام"، بقيادة عناصر سابقة من "أحرار الشام" و"النصرة"، ولم تنته بولادة "قوات سوريا الديمقراطية"، ومن غير المتوقع أن يكون "جيش سوريا الجديد" آخر إنتاجاتها، حيث تعتبر أن اللاعبيين الإقليميين والدوليين، يسعون بعد التدخل الروسي المباشر في الحرب إلى نزع صفة الإرهاب عن القوى التي تدور في فلكهم، إلا أنها تشدد على أن هذا المخاض الكبير ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، وتؤكد بأن من الصعب الإنتهاء منه في لقاء فيينا المقبل، بل العكس من هي ترى أن هذه النقطة ستبقى نقطة الخلاف الأساسية التي تحول دون تحقيق أي توافق في المدى المنظور.
في المحصلة، سيكون مؤتمر فيينا الثاني، يوم السبت المقبل، محطة مفصلية في مسار الأحداث السورية، فهل تنجح القوى الإقليمية والدولية بالتوصل إلى توافق حول لائحة موحدة للمنظمات الإرهابية، أم تلجأ إلى تأجيل المناقشات إلى موعد لاحق نتيجة فشلها؟