يقول الأخ الرئيس نبيه بري في مذكراته التي كتبها الصحافي نبيل هيثم (أسكن هذا الكتاب) : " عندما وصل الاسرائيليون الى خلدة، كنت موجودا في مقر قيادة «حركة أمل» ، في برج البراجنة. يومها، جاء أحد الأشخاص وقال لي: لقد وصل الاسرائيليون الى خلدة.
للوهلة الاولى، ظننت ان خلدة هي واحدة من بلدات الجنوب، فأخذت أجول بتفكيري وأسأل نفسي عن خلدة، وأين تقع، وفي اي قضاء من اقضية الجنوب! وعندما تأكدت سألت: وكيف وصلوا الى خلدة بهذه السرعة..... توجهت على الفور، مجموعات حركية من كل المناطق في بيروت والضاحية الجنوبية، وأذكر منها مجموعة من شباب «حي السلّم»، ولذلك سميت هذا الحي بـ«حي الكرامة».... ووصلت مجموعات الحركة الى خلدة، ونصب الشباب كمائن بالقرب من مدينة الزهراء، وفوق الطريق وتحتها، وما إن وصلت الدبابات والآليات الإسرائيلية، حتى أطبق عليها مجاهدو «أمل»، وخاضوا مع القوات العدوّة ملحمة بطولية، وأرغموها على التوقف في خلدة، التي تقدم اليها بآلياته، وكأنه يقوم بنزهة .
فماذا جرى في خلدة .
اجتياح لبنان 1982
في 3 حزيران 1982 ، تعرض سفير الكيان الإسرائيلي في بريطانيا، شلومو أرجوف لمحاولة اغتيال . وكانت هذه المحاولة الذريعة الأساسية التي استخدمها الكيان العبري ذريعة لاجتياح لبنان.
في الرابع من حزيران من عام 1982 شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات عنيفة على بيروت الغربية والجنوب . وفي اجتماع عقدته في السادس من حزيران ، قررت الحكومة الإسرائيلية تنفيذ عملية الصنوبر الكبير، أي اجتياح لبنان. واطلق على العملية اسم سلامة الجليل .
ودخل جيش العدو الإسرائيلي الأراضي اللبنانية . وبدأ يتقدم ، لكنه واجه مقاومة عنيفة عند المخيمات الفلسطينية لا سيما في صيدا وصور . وفي قلعة الشقيف ، وجوبه جيش العدو بمقاومة شرسة عند محاولته احتلالها لكنها سقطت .
وفي غضون اسبوع ، دخل جيش العدو الإسرائيلي صور وصيدا ووصل الى الدمور على بعد 20 كلم الى الجنوب من العاصمة بيروت .
كانت " القوات الإسرائيلية الغازية " تتقدم بسرعة كبيرة ووصلت طلائعها الى خلدة المدخل الجنوبي للعاصمة بيروت في التاسع من حزيران ، وحاولت منها التقدم باتجاه الأوزاعي ومطار بيروت الدولي . وهنا بدأت معركة خلدة التي استمرت لأربعة ايام كاملة .
القوات المشتركة في خلدة
مثلث خلدة هو مفترق طرق حيوي على المدخل الجنوبي للعاصمة بيروت ، منه يبدأ طريق بيروت – صيدا – صور الى الجنوب ومنه يتفرع طريق جبلي يتجه شرقا الى بلدة عاليه على طريق بيروت- دمشق،
كانت تنتشر في منطقة خلدة قوات من المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. وعلى رأس هؤلاء أفواج المقاومة اللبنانية – أمل ، وحركة فتح ، والصاعقة وفصائل مقاومة اخرى .
اضافة الى قوات المقاومة ، كان يتواجد الفوج 87 من الجيش العربي السوري الذي كان منتشرا على تلال خلدة.
وانتشرت مجموعات المقاومة من الفاميلي بيتش وغاليري حوحو على الشاطئ حتى مدينة الزهراء عند مثلث خلدة .
كان مقاتلو حركة أمل يشكلون عماد القوة المدافعة . حيث انتشروا على امتداد الشاطئ من مسبح الفاميلي بيتش حتى قصر ارسلان . وتوزعوا في كمائن كانت مهمتها حماية الطريق الساحلي القديم . واقامت غرفة عمليات ، بإمرة الشهيد عدنان الحلباوي في ملجأ سنتر سالم .
بينما انتشرت القوات الفلسطينية بقيادة العقيد عبدالله صيام عند منطقة المثلث وفي مباني المهجرين عند الطريق الساحلي .
المعركة
في التاسع من حزيران ، تقدم جيش العدو الإسرائيلي ، من الدامور والناعمة ، حيث تجمعت وحداته ، وقام بانزال بحري ، كما وصلت طلائع استطلاع للقوات المعادية بزوارق مطاطية عبر البحر .
شن الطيران الإسرائيلي غارات كثيفة على مواقع الجيش السوري في تلال خلدة والتي كانت تكشف تحركاته .
ومن ثم تقدمت المدرعات الإسرائيلية عبر الطريق البحرية ، وعبرت امام أعين المقاتلين الذين كانوا منتشرين في الكمائن ، والذين سمحوا لها بالتقدم حتى وصلت الى مدخل مدينة الزهراء عند مثلث خلدة ، عندها فتحت النيران باتجاه الآليات الإسرائيلية من كل حدب وصوب .
لقد وقعت القوة الإسرائيلية في كمين ، على الرغم من ان الهدف من توغلها السريع هو كشف الكمائن تمهيدا لقصفها من الجو والبر والبحر وتحييدها لفتح الطرق امام القوة المدرعة التي ستتقدم من خلفها . الا انها وقعت في منطقة قتل . فأعطبت واصيبت عدد من الدبابات والآليات ، وعندما حاولت التراجع تكبدت خسائر جديدة قبل ان تنجح في الانسحاب الى الخلف .
استخدم المقاتلون قذائف الأر بي جي في الكمين بفاعلية ، كما برع استخدام الجنود السوريون صواريخ الماليوتكا ببراعة.
في هذا الوقت ، دارت عند مدخل مدينة الزهراء حيث ينتشر مقاتلو حركة أمل معركة عنيفة , مع قوة اسرائيلية مؤلفة من عدد ناقلات الجند طراز م 113 انزلت عبر البحر انتهت بتقهقر الإسرائيليين ، وتمكن مجاهدو امل من اسر احدى الناقلات وفي داخلها جثة جندي اسرائيلي .
نقلت حاملة الجند ال م 113 الى الضاحية الجنوبية لبيروت الى مقر قيادة الحركة في برج البراجنة حيث استقبل رئيس الحركة الأخ نبيه بري المقاتلين والناقلة وحيا بطولاتهم . ومن ثم نقلت الى الطريق الجديدة وبربور ، حيث كانت تعرض امام الناس قبل ان تنقل مرة جديدة الى الضاحية حيث خبأت في منطقة روضة الشهيدين . أما جثة الجندي الصهيوني فقد سلمت الى حركة فتح .
هجمات فاشلة للعدو
مع تقدم ساعات الليل ، عاود جيش العدو محاولة التقدم ، لكن تم التصدي له مرة ثانية . وفي هذا الوقت وصلت الى خلدة تعزيزات من بيروت والضاحية الجنوبية .
كان من ضمن خطة الدفاع تجهيز مجموعات قتالية صغيرة تقوم بهجمات تعرضية على مواقع العدو الاسرائيلي لاستنزافه واعاقة خططه واثنائه عن عزمه على تكرار محاولات التقدم والخرق. ومن بين المجموعات التي نفذت هذه العمليات كانت مجموعة من حركة أمل بقيادة الشهيد الأخ عباس خليل التي تسللت الى الناعمة وهاجمت تجمعا لآليات العدو . وقد أصيب الشهيد خليل في تلك العملية ونقل للعلاج في بيروت ومن عاد الى الجبهة واستشهد على محور الاوزاعي .
وتكررت الاقتحام المحاولات الاسرائيلية ، وكانت في كل مرة تشتد المعارك ، وكان الإسرائيليون يحاولون التقدم على عدة محاور ، وينفذون عمليات ابرار جوي وبحري البحرية على الشاطيء المحاذي لخلدة عند مسبح الفاميلي بيتش . ومع اشتداد ضراوة الهجوم الاسرائيلي اشتدت جسارة القوات المشتركة المدافعة عن خلدة, ووصل الامر في كثير من الاحيان الى خوض معارك قتال تلاحمي مع العدو الذي تكبد خلالها خسائر كبيرة.
ومقابل الغارات الجوية الإسرائيلية كانت المقاومة تقصف بالمدفعي بصواريخ الكاتيوشا والغراد تجمعات العدو في الناعمة والدامور والسعديات .
وكان من أهم اسباب صمود جبهة خلدة هو التنسيق الكامل بين كل القوى الموجودة في تلك المنطقة ، وصمود المقاتلين وملاحقتهم للعدو باستمرار .
أثناء المعارك أغارت الطائرات الإسرائيلية ، على سنتر سالم ، حيث كان مقر غرفة عمليات حركة أمل ، فاستشهد عن المقاتلين ، واصيب قائد المحور عدنان الحلباوي في يده . كما اصيب القيادي قبلان قبلان .
مقتل الجنرال يكوتئيل آدم
في 11 حزيران 1982 اعلن ناطق عسكري اسرائيلي مقتل نائب رئيس أركان الحرب الأسرائيلي الجنرال يكوتيئيل آدم في المعارك التي دارت قرب الدامور في اليوم السابق . وهو أرفع ضابط اسرائيلي قتل خلال اجتياح 1982 .
وفي التفاصيل أن آدم كان في فيلا قرب الدامور تستخدم كمقر للعمليات ، وأثناء انعقاد اجتماع بقيادته تعرض المكان للقصف ، ولدى محاولته النزول الى الطابق السفلي للحماية ، أطلق عليه الرصاص وعلى مساعده ، من قبل مجموعة من المقاتلين كانت تكمن قرب المكان فسقط صريعا .
وبينما لم ينجح العدو في خرق محور خلدة من الساحل ، استطاع في 12 حزيران الوصول الى صحراء الشويفات من محور عرمون ، قادما من الجبل بعد معارك عنيفة استشهد فيها العقيد عبدالله صيام . كما نجحت قوات العدو في احتلال المدرج الشرقي للمطار . مما احدث واقع ميداني جديد ، وأصبحت القوات المقاتلة على محور مثلث خلدة داخل طوق العدو.
قأتخدذت غرفة العمليات المشتركة قرار سليما من الناحية العسكرية وسحبت القوات المقاتلة من خلدة واعيد انتشارها تمهيداً لمعركة بيروت ومنع احتلالها ووضع كمائن على محاور الضاحية الجنوبية لمنع تقدم العدو.