يعتبر العام 2023، الأصعب، بل الأخطر على القضية الفلسطينية برمتها في الداخل والخارج، وقد تميزت بتطورين كبيرين، الأول: الاشتباكات الدامية بين حركة "فتح" و"تجمع الشباب المسلم" (30 تموز) في أعقاب اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء أبو أشرف العرموشي، والثاني: العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها "حماس" في غلاف غزة (7 تشرين الأول) وتداعياتها على الساحة الفلسطينية في لبنان ومخيماتها.
وقد حصدت اشتباكات عين الحلوة التي تعتبر الأطول في جولات الإقتتال والهدن والاتفاقات على وقف إطلاق النار، أكثر من 33 قتيلا و160 جريحا، ناهيك عن الدمار والأضرار في الممتلكات من المنازل والمحال والسيارات، فضلا عن النزوح غير المسبوق وإقفال مدارس "الأونروا" الثمانية حتى جرى نقل الطلاب البالغ عددهم نحو 6 الآف إلى المدارس المجاورة وقلب مدينة صيدا وسط إرباك كبير.
وأثارت الاشتباكات استياء في الأوساط اللبنانية والفلسطينية وطرحت تساؤلات كثيرة حول خلفيتها وتوقيتها، إذ جاءت في ظل اجتماعات فلسطينية–فلسطينية في مصر وتركيا ولبنان لإنهاء الإنقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، ولكنها كادت تأتي بنتائج عكسية بعد تبادل الاتهامات بين عدد من القوى الفلسطينية وأبرزها "فتح" و"عصبة الأنصار الإسلامية"، و"فتح" و"حماس" التي اتهمت بدعم تجمع الشباب المسلم بهدف إضعافها وتقويض نفوذها بينما حماس اتهمت فتح بتنفيذ مشروع خطير بتدمير المخيم على اعتباره عاصمة الشتات وتهجير أبنائه وصولا إلى شطب حق العودة.
كما انها جاءت في ظل الأوضاع اللبنانية الصعبة والمعقدة مع استمرار الأزمة الاقتصادية وعلى أبواب إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان (السابق) رياض سلامة والمخاوف من انهيار الأوضاع المعيشية وصولا إلى انفجار اجتماعي جراء الغضب الشعبي والحراك الإحتجاجي، ومع محاولات جر الجيش اللبناني إلى أتونها بعد استهداف مواقعه المحيطة بالمخيم أكثر من مرة.
ورغم خطورتها، نجحت المساعي اللبنانية–الفلسطينية التي قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار (14 أيلول) بعد جهود مع مختلف القوى الوطنية والإسلامية، وفق بنود متدحرجة لجهة تشكيل لجنة تحقيق لكشف الجناة، تعزيز القوة المشتركة ونشرها، انسحاب المسلحين من مدارس "الأونروا"، عودة النازحين إلى منازلهم، وتسليم القتلة إلى السلطات اللبنانية وهو ما لم ينفذ بعد.
ونجاح الاتفاق أوقف الاشتباكات، ولكن الوضع الأمني بقي على حاله من التوتر حتى قيام حماس بعملية "طوفان الأقصى"، حيث بادرت حركة "فتح" إلى رفع المتاريس والدشم وإزالة الحواجز من الشوارع الرئيسيّة، ودعت إلى عودة الحياة الطبيعية كتعبير عن الرغبة بتوحيد الموقف الفلسطيني لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي وتنظيم النشاطات الداعمة.
تداعيات طوفان الأقصى
وفي تداعيات عملية "طوفان الأقصى" على لبنان ومخيماته، لم تفتح جبهة الجنوب عسكريا فقط، وسط مخاوف دولية من توسع نطاقها إلى حرب إقليمية، حيث قدّم "حزب الله" أكثر من 130 "شهيدا على طريق القدس"، وإنما سمحت لبعض القوى الفلسطينية وتحديدا حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي بالإنخراط في العمليات العسكرية وإطلاق الصواريخ للمرة الأولى بالتنسيق مع "المقاومة الإسلامية"، ما أثار ردود فعل لبنانية رافضة لعودة لبنان إلى سابق عهده مع الثورة الفلسطينية أو ما كان يعرف بـ"فتح لاند".
وإلى جانب العمليات العسكرية، تميز العام 2023 بإعلان حركة حماس عن تشكيل طلائع "طوفان الأقصى" (4 كانون الاول) ودعوة الشّباب الفلسطينيّ إلى الالتحاق بها والمشاركة في صناعة مستقبل الشعب وفي تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك، وفيما أثارت الخطوة نقزة في الجانب اللبناني التي اعتبرتها وكأنها دعوة إلى التسلّح وعسكرة المخيّمات، سارع مسوؤلو الحركة إلى توضيح الهدف بأنّ المقصود ليس تنظيمًا عسكريًّا، وإنما استيعاب الشّباب الفلسطيني في صفوف الحركة في إطار شعبوي تعبوي.
وبين العمليات العسكرية وإنشاء الطلائع، لم تهدأ المخيمات الفلسطينية من شمالها إلى جنوبها، في تنظيم النشاطات والوقفات الاحتجاجية والمسيرات والاعتصامات الداعمة لغزة وشعبها ومقاومتها، حيث أكدت قواها السياسية وأبناؤها أنهم شعب واحد في الداخل والخارج، ودعا البعض إلى فتح الحدود الجنوبية والسماح بتحركات احتجاجية على مقربة من الشريط الشائك لإيصال رسالة التضامن... ولكن القوى اللبنانية لم تسمح بذلك لأسباب أمنية.
وخلال العام، وفي خطوة تضامنية لافتة، فعلَّ اللبنانيون والفلسطينيون مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل، في إطار فردي طوعي احتجاجاً على المجازر التي ترتكبها في قطاع غزة ضدّ المدنيين والأبرياء من النساء والأطفال، وعلى انتهاكاتها المتصاعدة بالضفة الغربية، بعدما لم تجدِ كل الدعوات للمجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى وقف العدوان.
ومرَّت العلاقة بين إدارة "الأونروا" والقوى الفلسطينية والشعبية، بمرحلة من الفتور دون القطيعة، بسبب جملة من القرارات التي اتخذتها المديرة العامة في لبنان دوروثي كلاوس على مراحل واعتبرتها القوى السياسية والشعبية نوعا من التفرد، إذ لم يجرِ مناقشتها معها، في إطار التوافق عليها أو الإجابة عن بعض الاستفسارات أو تحسين الأداء بما يتوافق مع مصالح اللاجئين في مخيمات لبنان.
ومن أبرز القرارات التي اتخذتها "الأونروا" وأثارت اعتراضا فلسطينيا، البدء بعملية التحقق الرقمي للعائلات والأشخاص المسجلين في برنامج شبكة الأمان الاجتماعي في لبنان، وهي الخطوة الثانية بعد العملية ذاتها للنازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، وبعد تنزيل تطبيق UNRWA على الهواتف الذكية كمقدمة لإحصاء كل اللاجئين لاحقاً وعلى مراحل.
وكان المفوّض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني الذي زار لبنان مؤخرا وتفقد عين الحلوة، قد تحدّث أكثر من مرّة وخلال إطلاق نداءات الاستغاثة، عن المعاناة الإنسانية التي يعيشها أبناء المخيمات في لبنان، مع الارتفاع غير المسبوق لمعدلات الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط بنسب تراوحت بين 80 و90%، مما يشكل أعباء إضافية على "الأونروا".