بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد معلم الناس الخير وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد،
لقد هلّ علينا شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام والقرآن، هذا الشهر الكريم الذي صيامه فريضة، وقيام لياليه تطوع، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة في ما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة في ما سواه، هو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
هنيئا لكل صائم أدى حق الله تعالى فيه، فحفظ لسانه وسمعه وبصره وعمل فيه من الصالحات، وأخرج زكاة ماله، وأطعم الفقراء والمساكين وواسى الأرامل والأيتام، ونشر المحبة والسلام.
قال رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :"أتاكم رمضان، شهر البركة، يغشاكم الله فيه، فيُنزل رحمته ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى الى تنافسكم فيه، ويباهي بكم الملائكة، فأروا من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله عز وجل".
على المسلم الصائم أن يراعي أثناء صيامه ما يكفل له قبول عمله وعدم رده، ولا يحبط له الأجر والثواب، وذلك بمراعاة الآداب الحسنة والأخلاق الطيبة، فقد قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته"، والمقصود بأمانة الصيام معرفة الحلال والحرام من ناحية، ومن ناحية أخرى أن يحفظ الصائم اللسان والسمع والبصر.
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
يعيش الصائم نهار رمضان متحملا الجوع والعطش ليحقق بذلك الهدف والغاية من الصوم، وهي التقوى.. قال تعالى في كتابه الكريم :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (سورة البقرة، الآية 183).
إن التقوى حالة وجدانية وأخلاقية وتعبدية راقية تدفعك لأن تشعر مع الجياع والمحتاجين، وتشعر بمعاناة الفقراء والمساكين... فمن لم يحقق الصيام فيه هذه المعاني، أو من لم يتحلَّ بالصبر وحسن الأخلاق، فقد يعرّض صيامه لضياع الأجر والثواب، قال رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "ربّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش"، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم، إني صائم".
كم هي الأمة الإسلامية محتاجة اليوم أن تتمثل المعاني الحقيقية للصيام في شهر رمضان، وأن تجسدها في سلوكياتها وتصرفاتها من أجل بناء علاقات اجتماعية راقية، وتكافل وتعاضد بين أبناء المجتمع الواحد، وبث مشاعر الأخوة والإنسانية السامية.
وأخيرا نهنئ المسلمين واللبنانيين جميعا، وجميع العرب والمسلمين، بحلول هذا الشهر العظيم، ونشكر موقع "النشرة" على اهتمامه بهذه المناسبة الكريمة.
أعاننا الله جميعا في هذا الشهر على الصيام والقيام وتلاوة القرآن الكريم، وجعله شهر خير وسلام ومحبة، يعم خيره ونوره علينا، فتتآلف قلوبنا وتجتمع كلمتنا، وتتوحد صفوفنا، وتنتشر فيه راية السلام والأمن على أوطاننا وبلادنا... وكل عام وأنتم بخير.
* المدير العام السابق للأوقاف الإسلامية في لبنان