يمكن متابعي الشؤون السياسية في البلاد سماع مسؤولين من حزب الله يقولون بالفم الملآن إن مواجهة الانتداب الأميركي المصرفي لا تقل اهمية عن مواجهة من أرادوا طعن المقاومة والمس بسلاحها. ويمكن سماع آخرين يؤكدون ان هذه المواجهة حتمية، إذا لم يتراجع أصحاب بعض المصارف، ومعهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عن تنفيذ السياسة الاميركية.
ما هي ادوات المواجهة؟ يرفض نواب الحزب ووزراؤه ومسؤولوه الإجابة عن هذا السؤال، لكنّ «غضب الاهالي» يعتمل. وجمهور الحزب بدأ يطالب بإجراءات عقابية على المصارف التي تريد تنفيذ الأجندة الأميركية المعادية للمقاومة وبيئتها. وهذه الإجراءات تبدو واضحة في «عقل الجمهور». بداية مع رياض سلامة. الرجل فقد كل أهلية ممكنة تبقيه في نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية. كما ان التجديد له في موقعه الحالي لم يعد أمراً مسلّماً به. فعلى علات السياسات التي اتبعها مصرفياً ونقدياً، كان بقاء رياض سلامة حاكماً للمصرف المركزي مسألة خارج النقاش. اما اليوم، فإن ما يقوم به يهدّد جوهر الاستقرار الاجتماعي اللبناني، من الباب المصرفي، تنفيذاً لما قرره حكام واشنطن. وبالنسبة إلى المصارف، فالامر مختلف. يطالب بعض جمهور المقاومة قيادةَ حزب الله بإعلان قائمة سوداء، تضم المصارف التي تكنّ العداء للمقاومة، لكي يجري التعامل معها بما يتناسب وارتكاباتها. البعض يقترح المقاطعة، وسحب الودائع، ودعوة الناس إلى الضغط على المصارف المتآمرة. والبعض الآخر يقترح إجراءات أكثر إيلاما، كالتظاهر والاعتصام امام مراكز فروع المصارف التي تريد استهداف جمهور المقاومة، وصولاً إلى منعها، شعبياً، من فتح أبوابها.
على المستوى السياسي، يُنظر إلى هذه الدعوات التي بدأ بعضها يلقى رواجاً على وسائل التواصل الإجتماعي بصفتها دعوات «اهلية»، لا بد ان يجري تأطيرها إذا اضطر الحزب إلى خوض مواجهة مفتوحة. وبحسب مصادر في فريق 8 آذار، فإن حزب الله يرى أن الأميركيين يُبدون حرصاً على الحفاظ على القطاع المصرفي في لبنان، بصفته واحدةً من أدوات تنفيذ سياستهم في لبنان. والحزب، بحسب المصادر نفسها، غير معني بأن يشارك الأميركيين هذا الحرص، فيما لو تحوّل هذا القطاع إلى اداة لتهديد الامن الاجتماعي في لبنان، ففضلاً عن ان هذه العقوبات تشبه إلى حد بعيد إقامة «جدار فصل عنصري»، فإن ضررها في الوقت عينه، لن يقتصر على بيئة الحزب ولا جمهور المقاومة ولا أبناء الطائفة الشيعية. فبهذه المؤسسات، ترتبط شبكة واسعة من المورّدين وشركات التأمين، التي ينتمي أصحابها إلى مختلف المناطق والطوائف والقوى السياسية. تضيف المصادر: «كما ان الإسترسال في تطبيق عقوبات عنصرية من جانب بعض المصارف (بنك لبنان والمهجر، على سبيل المثال لا الحصر)، بما يتجاوز ما يطلبه الأميركيون، لن يصيب المستهدفين بالعقوبات وحدهم، بما ان البلد صغير، وصاحب العقار الشيعي يعمل مع مطوّر عقاري مسيحي، وتاجر حديد سنّي، ومورّد أخشاب وإسمنت درزي...». تعود المصادر إلى النقطة عينها: الامن الاجتماعي اللبناني مهدّد، لا فئة سياسية او طائفية دون اخرى. ماذا يريد حزب الله؟ تجيب المصادر: «ببساطة، ان تكف المصارف وحاكمية مصرف لبنان عن التآمر والمراوغة. والحزب لا يريد سوى إجراءات تحفظ الامن الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين، ولا ضير في إجراءات تسووية».
وبعيداً عما يرتبط مباشرة بأزمة العقوبات الأميركية، فإن حزب الله مدعو إلى ما يتجاوز ردع القيمين على القطاع المصرفي عن استهدافه وبيئته مباشرة. فهذا القطاع الذي لم يكفّ عن كنز المال (وهذه هي طبيعة القطاع المصرفي في غالبية دول العالم، بما ان المصارف ليست جمعيات خيرية)، بحاجة إلى من يقف في وجهه في ايام السلم كما في أيام الحرب. والحزب، بصفته مشاركاً في مجلسي النواب الوزراء، مُطالَب بألا يصمت بعد اليوم. فمن يستهدفه سبق له أن جمع ثروات تفوق الخيال، قياساً إلى حجم الاقتصاد اللبناني، من موارد عديدة، أبرزها المال العام المتأتي من فوائد سندات الخزينة، على مدى 24 عاماً. ومن الصعب العثور على مَن ينتظر مِن حزب الله خطاباً «ثورياً» هدفه تأميم المصارف، أو رفع الضريبة على أرباحها لتلامس نسباً قياسية (30 في المئة وما فوق مثلاً)، أو المطالبة بفائدة على سندات الخزينة تبلغ صفر بالمئة على مدى 10 سنوات تتمكّن فيها الدولة من إنفاق فوائد الدين العام في مشاريع استثمارية تحيي قطاعات إنتاجية تحتضر، لكن أضعف الإيمان هو ان يحمل الحزب لواء تطبيق القانون ومعاقبة مخالفيه: أولاً، قانون النقد والتسليف الذي تُلزِم المادّة 117 منه حاكم مصرف لبنان تقديم ميزانية المصرف المركزي وحساب الأرباح والخسائر كل سنة، كما توجب عليه تقديم تقرير عن كل العمليات التي ينفّذها المصرف، ونشر التقريرين في الجريدة الرسمية، وهو ما لم يفعله سلامة منذ تولّيه منصبه في عام 1993؛ وثانياً، إصدار مواد قانون سلسلة الرتب والرواتب التي أقرها مجلس النواب، ولا يزال محضرها معلّقاً، ولا سيما لناحية إلغاء إعفاء المصارف من الضريبة على الفوائد، وزيادة الضريبة على الفوائد وعلى أرباح المصارف. ولا ضير في أن يقدّم حزب الله برنامج عمل جدّيا، في مجلسي النواب والوزراء، يرمي إلى خفض الفائدة على سندات الخزينة، البقرة الحلوب لأصحاب المصارف، ومسرب التبديد الاول للمال العام.