يسيطر تنظيم "داعش" على منبج شمال محافظة حلب السورية وعلى الرقة التي تحتل موقع العاصمة بالنسبة الى "تنظيم الدولة الاسلامية". جغرافياً يكتسب موقعا المنطقتين أهمية لإمتداد النفوذ الداعشي. في كلا المنطقتين إستعان التنظيم بمقاتلين من خارج الرقة ومنبج لعدم وجود عديد بشري كاف لحكمهما. شكلت منبج ركيزة داعشية، وساهمت قراها الزراعية في تأمين حاجات التنظيم الغذائية. بينما شكلت الرقة رمزية معنوية بالدرجة الاولى كونها "الولاية" الأولى في سوريا "للدولة".
في السنوات الماضية تدرجت معاناة الأهالي في منبج والرقة. انتظر السكان طويلا ان يأتي "المخلص". لم يعد يهم بالنسبة اليهم ان أتى الجيش السوري او الروسي او القوات الاميركية او الكرد. كانوا ينتظرون وصول اي قوة عسكرية لتحريرهم من "داعش".
منذ ايام وصلت معلومات الى التنظيم عن استعدادات شعبية لمواكبة تقدم "قوات سوريا الديمقراطية" الى قرى منبج. باشر الدواعش فورا بتعميم أخبار عن خدائع يقومون بها بإدعاء دوريات لهم الانتماء الى الكرد ومعاقبة كل من يتحضر ويبدي استعداده لمؤازرة الأكراد بالقتل الجماعي. حصل ذلك في قرى منبجية.
في الرقة لا سلاح ولا مسلحين خارج اطار التنظيم. حتى السكاكين الحادة صادرها مقاتلو "داعش" من المنازل خشية تنفيذ الانقلاب ضدهم، ما يعني امكانية الحسم السريع في تحرير الرقة ومنبج فور وصول القوات العسكرية إليهما.
لكن ماذا لو حصلت معارك داخل الأزقة والشوارع؟ كما حصل التدمير في "كوباني" عين العرب. هل يتحول الأهالي الى كبش فداء؟ أم يشكلون ثورة داخلية تضغط على الدواعش؟
في منبج شكلت "قوات سوريا الديمقراطية" مجلساً ثورياً لحث الناس على المشاركة، ونفي الصبغة الكردية عن القوات العسكرية التي تتحضر لتحرير منبج. المنازلة ستكون أسهل بالمقارنة مع وضع الرقة، خصوصا ان الكرد تركوا الطريق مفتوحا بإتجاه منطقة الباب لدفع الدواعش نحو الهرب وترك منبج من دون قتال.
الى الرقة يمضي الجيش السوري وحلفاؤه. لكن محطات جغرافية استراتيجة مهمة تقع في طريقهم. من الطبقة ومطارها و مقر الفرقة 17 ومنطقة السد. في حال سيطرة الجيش السوري على تلك المواقع ستصبح الرقة تحت السيطرة النارية الكاملة. عندها تسقط المدينة عسكرياً. الوصول اليها واستعادتها الى حضن الدولة السورية يصبحان مسألة معنوية بالدرجة الاولى. هذا ما يسعى اليه الجيش السوري.
لماذا فرضت دمشق معركة الرقة قبل بت قضية حلب؟
في كل المقاييس السورية تحتل حلب الموقع الاول. لكن معركتها لم تحن بعد. هي اكثر صعوبة وتعقيداً ميدانيا وسياسيا دولياً. لا ضوء أخضر من عواصم القرار حول دخول الشهباء. بينما سيصفق العالم للجيش السوري في حال حرر الرقة. في حلب ستدعي عواصم القرار والرأي العام الدولي ان النظام يحارب المعارضة المعتدلة. بينما سيقول هؤلاء ان الجيش السوري هزم "داعش" في الرقة.
عندما وصلت معلومات الى دمشق وموسكو عن رغبة أميركية بالتقدم الى الرقة عبر الكرد، سارع السوريون الى حسم الموقف قبل وصول الأكراد. في تلك المسارعة رسائل بالجملة اهمها كسر معادلة الفدرلة وضرب مشاريع التقسيم.
سيثبت السوريون الانتصارات المقبلة على طاولة المفاوضات. سيحسّنون الشروط والمكاسب. بالطبع ان تعود الطبقة والسد والرقة الى حضن الدولة السورية يعني ان الجيش السوري وحلفاءه قادرون على استعادة زمام المبادرة.
المعركة قائمة في جبهات مفتوحة. الأهم ان المسار السوري يتغير ولو ببطء سياسيا وميدانيا. ما كان يصح في الأعوام الماضية لم يعد يصح في السنة الجارية. ستظهّر ذلك المفاوضات.