أعلن الرئيس السابق لبلدية بيروت بلال حمد، في 30 كانون الاول 2014، أن «في مطلع السنة الجديدة (2015) سيتم تركيب الكاميرات، وستكون لدينا غرف تحكم بالتعاون بين المجلس البلدي ووزارة الداخلية، وهذا المشروع يعتبر الاكبر في تاريخ البلدية إذ تبلغ كلفته 35 مليون دولار أميركي، ويضم ألفي كاميرا تغطي كل شوارع العاصمة وتقاطعاتها ومداخلها، وستكون رادعة لأي عمل إرهابي. وفي حال حصول أي حادث، سيكون لدينا كل المعلومات».
بعد عام ونصف على تلك الوعود، كان من المتوقع أن يكشف المحققون الجنائيون هوية مرتكبي جريمة التفجير في منطقة فردان ليل أول من أمس خلال ساعات، لا أن تنقل وسائل الاعلام عن مصادر أمنية أنه «لم يكن بالامكان تحديد ملامح المشتبه فيه»، وأن «صور الكاميرات سيئة»!
موضوع الكاميرات ربما أخذ نصيبه في السجالات بشأن الفساد وهدر المال العام والاحتيال على المواطنين برفع شعارات كاذبة في بلد تبدو فيه المساءلة والمحاسبة غائبتين تماماً بفضل التوترات السياسية والمذهبية.
أما الموضوع الاهم الذي يفترض عرضه ــــ لا أمام اللبنانيين وحدهم بل أمام الاوروبيين الذين يدفعون من جيوبهم عبر نظام ضريبي قاس لتسديد إنفاق بعثتهم في لبنان ــــ فهو أن الاتحاد الاوروبي أنفق منذ عام 2009أكثر من 20 مليون يورو لتطوير قدرات الأجهزة الامنية اللبنانية وتأمين حكم القانون في لبنان. وخصص 8 ملايين يورو إضافية لصرفها بين عامي 2015 و2017 لدعم قطاع الامن في لبنان، و15 مليوناً لـ»بناء الاستقرار الوطني» تصرف بين 2016 و2019. وخصص جزء كبير من هذه الاموال الطائلة «لتحسين التحقيقات الجنائية». ومنذ 2005، تم تدريب وتجهيز مئات المحققين الضباط والرتباء في مختلف الاجهزة الامنية التي تخضع لسلطة وزارة الداخلية والبلديات. وأرسل عشرات الضباط الى الغرب لمتابعة دورات تدريب متخصصة، ومنح كل منهم بدل مهمات في الخارج بالملايين من خزينة الدولة اللبنانية.
بعد إنفاق كل هذه الاموال الطائلة على التدريب والتجهيز، بدا أول من أمس أن الاجهزة الامنية والقضائية اللبنانية لا تزال تعجز عن أبسط المهمات: تحديد وحماية مسرح جريمة وقعت في قلب العاصمة، إذ إن جماهير الفضوليين ورجالات الاجهزة الامنية والقضائية والعسكرية تجمعوا في مكان الانفجار محدثين تلوّثاً واضحاً لمعالمه وموجوداته. وبدا الشريط الاصفر شكلياً، ولم يخصص جدول لتسجيل هوية كل من يدخل مسرح الجريمة، ولم يجرِ إبعاد الناس عن المكان الا بعد مرور أكثر من نصف ساعة على وصول المحققين. وفيما ظهر رجال المباحث العلمية على شاشات التلفزيون وهم يرتدون ملابسهم البيضاء في الشارع قبل دخولهم الى مسرح الجريمة، كان أشخاص يتجوّلون باللباس المدني داخل منطقة الشريط الاصفر.
أما التحليلات واستباق نتائج التحقيق والتسريبات وإذاعة المعلومات بشأن التحقيقات التي يفترض أن تكون سرّية، فحدّث ولا حرج. حيث بات لكل وسيلة إعلامية مصادرها الموثوقة وأخبارها العاجلة عن مكان وجود العبوة وكيفية نقلها وما سجّلته كاميرات المراقبة. واختلط كل ذلك مع «سوسبنس» المسلسلات الرمضانية، بينما يبدو أن ما حصل هو أخطر تهديد لأمن العاصمة منذ سنوات وذلك للأسباب الآتية:
مكان الانفجار على بعد أمتار من مبنى وزارة الداخلية والبلديات حيث يعقد الاجتماع الدوري لمجلس الامن المركزي. وعلى بعد أمتار من ثكنة بربر الخازن والتفتيش المركزي ونقطة عسكرية للجيش اللبناني (تقاطع شارع الرئيس رشيد كرامي)، ونقطة أمنية لقوى الامن الداخلي (سجن النساء سابقاً) ومنزلي الوزيرين نهاد المشنوق وأسعد حردان وفندق البريستول.
الدائرة المحيطة بمكان الانفجار مزروعة بعشرات كاميرات المراقبة. إضافة الى الكاميرات الخاصة التابعة للمصرف وللمحال التجارية في المنطقة، ترتفع عواميد مكتظة بالكاميرات المجهزة بوسائل الرؤية الليلية في تقاطع صيدلية بسترس وفي تقاطع فردان، ومن الجهة المقابلة لناحية ما يُعرف بكورنيش التلفزيون وجميع الطرقات التي تتقاطع معه.
وقع الانفجار بعد يوم على تعميم تحذيرات بوقوع هجمات إرهابية قد تستهدف بيروت، وبالتالي يفترض أن تكون الاجهزة الامنية والعسكرية والاستخبارية مستنفرة وعيونها مفتوحة على أي تحرّك مشبوه ودورياتها على أهبة الاستعداد للتحرك السريع.
باختصار، الأمر الذي يستدعي القلق كان وقوع الانفجار «على عينك يا تاجر»، ما بدا كأنه رسالة تهديد بأن في إمكان الجناة أن يضربوا في عمق العاصمة، وتحديداً في منطقة يمكن وصفها بكل ثقة بالآمنة بسبب وجود أهم المراكز الأمنية الرسمية فيها. أما الرسالة الثانية فمفادها أن التدخلات الاوروبية والغربية في تطوير الاجهزة الامنية اللبنانية وتجهيزها فاشلة، إما بسبب الفساد المستشري في أروقة البعثة الاوروبية والدولة اللبنانية، أو بسبب التفوّق الامني والاستخباري والتنفيذي للإرهابيين.