تحوّلت مساحة حرش بيروت على مدى الـ 300 سنة الماضية من مليون و200 الف متر مربع الى 600 الف متر مربع فقط، ويبدو ان عملية "القضم" لم تنته بعد، فالمستشفى العسكري المصري قد حطّ رحاله في المكان المذكور بعد جولة قام بها في مواقع لبنانية عدة منذ حرب تموز في العام 2006 حتى الأمس القريب.
ترى مصادر مطلعة على القضية "ان قرار انشاء المستشفى في موقف السيارات داخل حرش بيروت حرّك الرأي العام الذي لطالما رفع لواء "فتح" المكان أمام اهل بيروت واللبنانيين، فحرمان المواطنين من التمتّع بهذه المساحة الخضراء لم يعد يقتصر على منعهم من التجول في داخله فقط، بل يبدو انه سيطال بصرهم أيضا، وبناء المستشفى في أرض غير مخصصة لهذا الأمر يعني انطلاق عملية "إنهاء" الحرش". ازاء هذا الواقع تحرّكت جمعية "نحن" التي تسعى من خلال عملها للحفاظ على المساحات الخضراء المتبقية في بيروت، وأعلنت رفضها لهذا البناء وتوجهت نحو المعنيين للمطالبة بوقف الاعمال.
وفي هذا السياق علمت "النشرة" ان اعمال البناء في المستشفى الميداني المصري قد توقفت منذ بعد ظهر أمس، حيث لوحظ غياب أي عامل داخل الورشة. وهنا يؤكد المدير التنفيذي في جمعية "نحن" محمّد أيوب هذا الأمر، دون أن يعلن محافظ بيروت زياد شبيب توقفها بشكل رسمي، مشيرا في حديث لـ"النشرة"، الى انه ليس المطلوب صدور مثل هذا القرار لما لذلك من تبعات سياسية، انما المطلوب هو توقف العمل في المشروع وهذا ما حصل ونأمل استمراره.
ويضيف: "قدمنا من خلال حوارنا مع بلدية بيروت والمحافظ كل الاقتراحات الكفيلة باختيار مكان آخر لبناء المستشفى، فمهمتنا تقتصر على تقديم الاقتراحات والمساعدة لا اختيار الاماكن لأن هذه المهمة تقع على عاتق البلدية التي يفترض بها ان تُعد خريطة مفصلة تُظهر كل الاماكن التي تمتلكها ما يسهل عليها عملية الاختيار"، لافتا النظر الى ان "محافظ بيروت اثبت أكثر من مرة حرصه على المدينة ونحن نثق ان هدفه هو المصلحة العامة".
خصصت بلدية بيروت في عهد رئيسها السابق بلال حمد 2000 مترا مربعا من العقار رقم 1925 المزرعة، لاقامة المستشفى الميداني المصري عليه، ليكون مبنيا على موقف السيارات المواجه لجامع الخاشقجي، وشدد القرار على أن يكون البناء في قسم من الموقف المذكور بحيث لا يؤثر على استعمالات الحرش. وفي هذا الإطار يكشف أيوب عن مخالفة صريحة لقرار البلدية لأن البناء يتم في منتصف المساحة المخصصة له، ما يعني انه لا يمكن الاستفادة من أي مساحة متبقية من موقف السيارات. ويضيف: "ان مخالفة البناء لقرار البلدية أصبح معلوما لمحافظ بيروت وبالتالي فإننا نتمنى عليه ان يأخذ هذه المخالفات بعين الاعتبار".
في الاطار عينه، تنظم حركة "الشعب" بعد ظهر غد الاربعاء وقفة احتجاجية أمام الحرش للمطالبة بنقل "المستشفى" الى مكان آخر، ولوقف التعديات على المساحات الخضراء المتبقية في العاصمة، وفي هذا السياق يشير ايوب الى ان جمعية "نحن" لن تشارك بالتحركات الاحتجاجية على الارض قبل ان تفقد الامل من الحوارات التي تجريها، فالموضوع اليوم يتم بالحوار، مؤكدا ان الجمعية ستصعد تحركاتها في اللحظة التي تفشل بها "الحلول الحوارية".
لا شك ان المستشفى الميداني المصري قد قدم خدمات جليلة للبنانيين، ولا يختلف اثنان أن انشاء مثل هذا المستشفى في بيروت سيكون له ايجابيات كثيرة على المواطنين وخصوصا المحتاجين منهم، ولكن تكمن المشكلة في اختيار المكان الملائم لهذا المشفى، اذ لا يجوز حرمان اللبنانيين مما تبقى لهم من مساحات خضراء وفسحات نظيفة يلهو بها الاطفال خلال الاعياد والمناسبات.