دخل حزب الله مرحلة الصمت إزاء أزمة العقوبات الأميركية، والتفجير الذي استهدف «بنك لبنان والمهجر». صمت قال بعض حلفائه إنه يهدف إلى إيصال الرسالة الآتية: لا يمكن حريصاً على السيادة القبول بأن يكون همّ المصارف إرضاء الاميركيين والرضوخ لتهديداتهم، عبر معاداة فئة من اللبنانيين

حزب الله لا يزال صامتاً. والصمت هنا موقف يكاد يكون أبلغ من الكلام. بالتأكيد، لم يسقط سهواً عن جدول أعمال قيادته إصدار بيان لإدانة التفجير الذي تعرّض له المركز الرئيسي لـ»بنك لبنان والمهجر» يوم الأحد الماضي. عدم إصدار البيان رسالة يُراد لها أن تصل إلى جميع من اتهموا الحزب بالتفجير، كما المعنيون بالأزمة الناشئة عن قانون العقوبات الأميركي وآليات تطبيقه في لبنان.

وبعيداً عن الكاميرات وآلات التسجيل الصحافية، كما أمامها، يلتزم مسؤولو الحزب الصمت أيضاً. حلفاؤهم في 8 آذار يتولون تفسير هذا الصمت. يُدرك الحزب خطورة ما سبّبه القانون الأميركي، لكنه يرى أن الفريق المعني بإيجاد تسويات للأزمة هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف. وبحسب مصادر 8 آذار، فإن المقلق في أداء المصارف وحاكم مصرف لبنان «أنهم حريصون كل الحرص على عدم إغضاب الأميركيين، ولا يكترثون في الوقت عينه للإضرار بمصالح فئة واسعة من اللبنانيين، رغم أن هذه الفئة لا تحمل أموالها وتضعها في مصارف أجنبية، بل تأتي بأموال من الخارج إلى لبنان».

إبراهيم يؤكد أن الأمور لم تعد معقّدة وأنها في الإعلام أضخم مما هي في الواقع

وتلفت المصادر إلى أن الحزب يرى أن المصارف التي تشددت في تطبيق القانون الأميركي (بل بادر بعضها إلى إقفال حسابات قبل صدور القانون الأميركي ومراسيمه التطبيقية) وضعت نفسها في مأزق، وعليها بالتالي أن تُخرج نفسها منه، فيما هو (أي الحزب) غير معني باقتراح حلول. وبرأي المصادر، فإن القول بوجوب إقفال كل حسابات جميع الأشخاص والمؤسسات والجمعيات الذين ترد أسماؤهم على اللوائح الأميركية لا يسمح بالتوصل إلى تسوية للأزمة، وخاصة أن لوائح المعاقَبين أميركياً قد تصدر تباعاً. فالقانون نفسه، وفقاً للمصادر، يتحدّث عن إقفال حسابات ربطاً بطبيعتها وعملها، ومدى ارتباطها بتمويل حزب الله، لا عن حسابات غير مشكوك في صلتها بتمويل الحزب، وهي موجودة منذ سنوات، ومعروفة مصادر المال ووجهة استخدامه، كحسابات المستشفيات مثلاً. وتشدد المصادر على أن من يطرح نفسه مرجعية لحل أزمة بين عدوين أو متخاصمين، عليه أن يكون على الأقل محايداً في تعامله مع كِلا الفريقين، لا أن يقف مسبقاً في صف أحدهما ضد الآخر. وتلفت المصادر في خلاصة كلامها إلى أن حزب الله يرى أن على المصارف ـــ التي سارعت إلى التشدد في تطبيق القانون الأميركي، وتلك التي استبقت صدوره بمعاقبة لبنانيين لم يخالفوا أي قانون لبناني، وأقفلت حسابات لا تدخل إليها ليرة واحدة إلا من الدولة اللبنانية (كحسابات توطين رواتب نواب مثلاً) ـــ كما على حاكمية مصرف لبنان، أن «تقلّع بأيديها الشوك» الذي وضعت نفسها فيه، على قاعدة ضرورة أن تُدرك أن أولويتها يجب أن تكون ألا تعادي فئة من اللبنانيين بدل السعي إلى إرضاء الاميركيين وتبييض صفحتها لديهم على حساب حزب الله وجمهوره.

وفي السياق عينه، تنظر مصادر 8 آذار بإيجابية إلى تصرّف رئيس مجلس إدارة «بنك لبنان والمهجر» سعد الأزهري بعد التفجير، فضلاً عن «الدور البنّاء» الذي لعبه والده، رئيس مجلس إدارة مجموعة «لبنان والمهجر»، نعمان الأزهري، وخاصة في اجتماع جمعية المصارف يوم الاثنين الماضي. كذلك تلفت إلى أن إعلان جميع المصارف الالتزام بآلية العمل التي حددها حاكم مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة بشأن إقفال الحسابات أو عدمه، يُعدّ خطوة يمكن التعويل عليها كمساهم في إيجاد تسوية للأزمة. من جهة أخرى، تنقل مصادر سياسية عن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قوله إن «الأمور لم تعد معقّدة، وإنها في الإعلام تبدو أضخم مما هي في الواقع». يُذكر أن إبراهيم هو الوسيط الأبرز بين حزب الله من جهة، وحاكم مصرف لبنان وبعض المصارف من جهة أخرى، وسبق أن دخل على خط حل الازمة، ولعب دوراً في تخفيف الاحتقان بين الطرفين إثر مقابلة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع قناة «سي أن بي سي» الأسبوع الماضي، التي تحدّث فيها عن «فئة من اللبنانيين تريد إفساد صورة لبنان». ويتابع إبراهيم مهمته، مركّزاً على استكمال ما تم تحقيقه، لناحية التزام المصارف بآلية سلامة وهيئة التحقيق الخاصة.

على المستوى السياسي، كان لافتاً أمس الهجوم الذي شنّته كتلة المستقبل على وسائل إعلام لم تسمّها، متهمة إياها بالتمهيد للتفجير. وقالت الكتلة إنه «لا يمكنها أن تتجاهل الحملة الإعلامية والسياسية التي شنّها، ولا يزال، حزب الله على مصرف لبنان وعلى القطاع المصرفي، ظناً منه أنه بذلك يستطيع أن يوقف التزام لبنان مقتضيات عضويته في النظام المالي العالمي».

مصادر 8 آذار ترى أن الالتزام

بآلية هيئة التحقيق الخاصة مدخل لإيجاد تسوية

وبدت الكتلة كمن يوقّع وثيقة استسلام أمام «القانون الذي يعمل القطاع المصرفي اللبناني على التزام مقتضياته وتطبيق الإجراءات المتصلة به»، متحدّثة عن صدوره عن «الكونغرس الأميركي بالإجماع» (كما لو أن صدوره بالإجماع يمنحه شرعية إضافية للتطبيق في لبنان!). وبرأيها، فإن «هذا القانون لم يكن من الممكن أن يكون للبنان دور فيه على الاطلاق، كما أنه ليس لديه ولا لغيره القدرة لا له ولا لأي من مؤسساته على تعديله أو تغييره أو إلغائه. وهذا القانون يسري على جميع المصارف الأميركية ومن يتعامل معها (...) ولا قدرة للمصارف اللبنانية على رفض ومقاومة القانون الذي تطبقه وتعمل على أساسه المصارف الاميركية والعالمية، والتي بإمكانها إذا رفض لبنان والمصارف اللبنانية، بما في ذلك مصرف لبنان، الالتزام به أن يتعطل العمل الخارجي لهذه المصارف ويوقف عملها مع جميع المصارف المراسلة».

كذلك استنكر تكتل التغيير والإصلاح، عقب اجتماعه الأسبوعي أمس، تفجير بنك لبنان والمهجر، مُعتبراً أن أي «عمل إرهابي يستهدف لبنان وقطاعاته ومكوناته، لا سيما القطاع المصرفي، هو عمل مدان». ودعا إلى عدم استباق التحقيقات «في إطلاق الاتهامات في هذا الاتجاه أو ذاك، لأن ذلك يخدم مصلحة من يقف وراء هذا العمل».

من جهته، زار الرئيس نجيب ميقاتي رئيس مجلس النواب نبيه بري. ورداً على سؤال عن تفجير ​فردان​، ردّ بأنّ «بنك لبنان والمهجر هو عنوان، ولكن المؤسف هو التعرض للنظام المصرفي اللبناني الذي حافظ على الاقتصاد اللبناني بشكل عام. والنظام المصرفي اليوم، الذي تفوق ودائعه 170 أو 180 مليار دولار في بلد قائم وسط أجواء مضطربة، لا يزال في وضع سليم وصحي وأساسي. يجب المحافظة على هذا النظام الذي مرت الحروب اللبنانية والاجتياح الاسرائيلي وبقي صامداً أمام كل العواصف وبقيت الودائع محفوظة في المصارف اللبنانية».