عادت الأحداث لتخلط الأوراق السورية مجدداً، سواء عبر السباق العسكري لإخراج "داعش" من الرقة، أو عبر العودة الميدانية للروس إثر اللقاء الثلاثي الذي ضمّ وزراء دفاع كل من سورية وإيران وروسيا في طهران، وما نتج عنه من تنسيق عسكري واتفاقات ستعيد هندسة الخارطة الميدانية من جديد، أو بعد الحادث الإرهابي الذي حصل في أورلاندو في أميركا، والذي يُعتبر الأقسى منذ 11 أيلول 2001.
خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى شعبه معزياً ومتوعداً بالانتقام، ومهدداً بطريقة حازمة لم يسبق لها مثيل في خطابات الرئيس الأميركي قبل ذلك، موجهاً كلامه إلى قادة التنظيم الإرهابي: "إذا استهدفتم أميركا فلن تكونوا بمنأى عن الانتقام".
واللافت أن الحديث الأميركي السياسي تغاضى عما أوردته التقارير الاستخبارية والتحقيقات عن حركة ونشاط الإرهابي منفذ هجوم أورلاندو؛ عمر متين، خصوصاً علاقته بالانتحاري الأميركي التابع لـ"جبهة النصرة"؛ منير أبو صالحة، الذي فجّر نفسه في سورية عام 2014، لاسيما أن الاثنين كانا يترددان على المسجد نفسه فترة طويلة من الزمن، وتمّ رصد اتصالات بينهما.
وباستثناء المرشّحة الرئاسية هيلاري كلينتون التي وجّهت كلاماً قاسياًإلى كل من السعودية وقطر والكويت، مطالبة إياها بوقف دعم الإرهاب، فإن زيارة الإرهابي متين للسعودية مرتين لم تأخذ حيزاً من النقاش السياسي - أقلّه لغاية الآن - حول ما الذي كان يفعله هذا الشخص في المملكة.
وبالعودة إلى ما يمكن أن تبدّله المعطيات الداخلية الأميركية، يمكن القول إن هناك أموراً استجدّت بعد حادثة أورلاندو الإرهابية، سيكون لها وقع على الصراع في سورية، وذلك كما يلي:
1- إن "الهدية" المجانية التي قدّمتها العملية الإرهابية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، تفرض على الإدارة الحالية الديمقراطية العمل على تحقيق انتصار ضد "الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش"، خصوصاً في العراق وسورية، ولقد باتت الحاجة إلى انتصار ما على الإرهاب أكثر إلحاحاً، بعدما بدأت التقارير الإعلامية الأميركية تشير إلى أن ترامب قد يكون تفوّق على المرشحة الديمقراطية للانتخابات الأميركية هيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي بعد حادثة أورلاندو.
2- تسريب موضوع ارتباط إرهابي اورلاندو بـ"جبهة النصرة"، والذي قد يتدحرج إلى تأكيد ارتباطهما، قد يجعل من الأسهل على الأميركيين بعد الآن الطلب من المعارضة التي يدعمونها في سورية بفصل نفسها عن "جبهة النصرة" الإرهابية، وبعدما شكى الروس لفترة طويلة من أن الأميركيين يحاولون تحييد "جبهة النصرة" ويرفضون الضغط على جماعاتهم المسلحة للانفصال عنها، خصوصاًأنتنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي المرتبط بـ"القاعدة" يقوم بهجمات تحت غطاء المعارضة "المعتدلة"، كما أعلن لافروف.
3- زيارة ولي ولي عهد السعودية محمد بن سلمان للولايات المتحدة في هذا الظرف بالذات، والإعلان عن أن الإرهابي كان قد زار السعودية، سيحتّم على المملكة التعاون مع الأميركيين في موضوع الإرهاب وأولوية قتال "داعش"، بعدما كانت السعودية قد أعلنت في جميع مراحل المفاوضات السورية أن أولويتها هي رحيل الرئيس السوري بشار الاسد من الحكم، سواء بالمفاوضات أو بالخيار العسكري.
في المحصلة، كان من الأكيد - وحتى قبل الهجوم الإرهابي - أن الحملة العسكرية على "داعش" ستستعر كلما اقترب موعد رحيل الرئيس الأميركي باراك أوباما عن البيت الأبيض، لكن المعطيات القادمة من الولايات المتحدة ستجعل من الصعب على أوباما وإدارته التلكؤ أو إظهار العجز في مقاربة موضوع الإرهاب في سورية، ولو كان في وقت سابق يحقق لهم أهدافاً عدّة، منها مقاتلة الجيش السوري، واستنزافه، وإغراق الروس في المستنقع السوري، بالإضافة إلى استنزاف كل من إيران وحزب الله في القتال في سورية والعراق.
والسؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح الآن: هل سيشهد الميدان السوري تبدلاً في التحالفات وخلطاً عجيباً للأوراق، بحيث تكون الأولوية لمكافحة الإرهاب؛ كما طالب النظام السوري دائماً؟ إن حصل ذلك، فإن ما سمي يوماً"ثورة" سورية تكون قد دُفنت إلى الأبد.