يبدو رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل وبعد اعلانه سحب وزرائه من الحكومة مرتاحا أكثر من أي وقت مضى، طليقا بالكلام، واثقا باطلاق التهم وتحميل المسؤوليات وثائرا على كل الحالة السياسية القائمة، فموقعه بالمعارضة اليوم يجعله أقوى من أي وقت مضى بعد تحرره من التزامات يفرضها التواجد بالسلطة... لكن انتفاضة القائد الكتائبي ينقصها خطة العمل ومشروع المواجهة الواضح المعالم. هو لا يزال يعيش نشوة "الصدمة الايجابية" متناسيا أن من في السلطة لا يعنيهم بشيء انسحاب كتلة أو وزير، فأولئك الذين لم يحركوا ساكنا لخروج مئات آلاف اللبنانيين الى الشوارع مطالبين باستقالتهم بعد فضيحة اغراق البلد لـ8 أشهر بالنفايات، لن يرف لهم جفن من خروج "الكتائب" أو غيره من الحكومة، فكلما نقص عدد المنتفعين من السلطة كبُرت الحصص.. وهنا بيت القصيد.
"خرجنا نهائيا من الحكومة ونحن ننتظر نتائج الاستشارات الدستورية التي طلبناها من عدد من المعنيين لتحديد كيفية التعامل مع الموقف... فاستقالة وزراء من حكومة بغياب رئيس للبلاد سابقة تحتاج لدراسة دستورية تحدد الآليات الواجب اعتمادها"، بهذه الكلمات يقطع الجميل الطريق على كل التساؤلات عن جدوى الاستقالة طالما الوزراء المستقيلون سيبقون يصرّفون الأعمال داخل وزاراتهم، حتى أنّه يضيف: "استقلنا ولن نكون في وزاراتنا بعد اليوم... خلال ساعات سنقدم استقالات خطية لرئيس الحكومة تمّام سلام. من هذه اللحظة اصبحنا خارج مجلس الوزراء وخارج وزاراتنا".
ويؤكد رئيس "الكتائب" أنّهم لا يطلبون موافقة سلام على الاستقالة "لأن لا صلاحية له في هذا المجال"، لافتا الى أنّهم سيكتفون باعطاء "علم وخبر". واذ حثّ الجميل في حديث مع حلقة ضيّقة من الصحافيين وبينهم مراسلة "النشرة" رئيس مجلس الوزراء على الاستقالة، "بعدما انتقلت حكومته من مرحلة الانتاج الى العجز ومؤخرا لالحاق الضرر بالمواطنين"، ردّ التوقيت الحالي للاستقالة لعدم قدرة وزراء الحزب على التأثير مجددا بالقرارات الحكومية، وقال: "قررنا الانتفاضة بعدما تم تطويقنا داخل مجلس الوزراء وبات وجودنا من دون فعالية واشبه بوجود شهود زور في حكومة منتهية الصلاحية".
ويستغرب الجميل الحديث عن أن "الكتائب" وباستقالته من الحكومة انضم لصفوف حزب "القوات" الذي ارتأى أصلا أن لا يشارك فيها، مشددا على أنّهم قرروا أن يكونوا شركاء فيها من منطلق أنّها شكلت على أساس أن تبقى لأشهر معدودة حتى انتخاب رئيس للبلاد، وقال: "على مدى عامين حافظنا على المؤسسات وخضنا أكثر من مواجهة داخل مجلس الوزراء وتصدينا لكثير من التجاوزات... لكن هذه الحكومة لم تعد بعد اليوم الملاذ الأخير للشرعية بل للأسف باتت أحد مبررات عدم حصول انتخابات رئاسية".
وشنّ القيادي الشاب حملة عنيفة على الطبقة السياسية الحالية، معتبرا أن "السياسة ماتت في لبنان وما نشهده أبعد ما يكون عن الأداء الصحيح للشأن العام"، وتحدث عن "مشكلة بنيوية تعاني منها البلاد على علاقة بالنظام السياسي القائم على المحاصصة وتقوية زعماء الطوائف والدفع باتجاه المزيد من الفساد". وأضاف: "الأداء الحكومي الحالي الذي يقوم على سياسة المقايضة والمحاصصة وتمرير الوقت على حساب مصلحة اللبنانيين لا يشبهنا... لا بل أنّه ولّد لدينا شعورًا داخليًا بالثورة والانتفاضة على الامر الواقع".
وغاص الجميل في تفاصيل ملفي النفايات وسد جنة، مجددا موقف "الكتائب" منهما، واصفا الكلام الأخير للوزير أكرم شهيب الذي قال انّه برر طمر الساحل بالنفايات غير المفرزة، بـ"المعيب وغير المسؤول". وكشف عن احدى الصفقات التي كان يسعى مجلس الوزراء لتمريرها لافتا الى أنّه طرح في وقت سابق على الطاولة الحكومية بند يتناول اعفاء عدد من الشركات من الغرامات الضريبية من دون اعطاء أي سبب موجب، ليتبين أن هذه الشركات عبارة عن 7 مصارف هي الأكبر في البلاد وشركتين عقاريتين شهيرتين.
وتطرق الجميل للتحالفات السياسية القائمة حاليا، مؤكدا أنّه لم يعد هناك وجود لفريقي 8 و14 آذار، وقال: "المشهد السابق انقلب رأسا على عقب ويبدو أن المشاريع الكبرى التي سعينا اليها باطار ما كان يُعرف بفريق 14 آذار وقدمنا الشهداء في سبيلها ليست الا عناوين رنّانة للبعض تخلوا عنها عند أول مفترق طرق". وتساءل: "ماذا حصل بملف سلاح حزب الله؟ أين أصبح مشروع بناء الدولة؟ على أي اساس تبنى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون؟ وكيف ارتأى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ترشيح رئيس تيار المستقبل النائب سليمان فرنجية للرئاسة؟"
ولعل الثغرة التي قد تكبّل حركة الجميل المرتقبة غياب "خطة المواجهة"، اذ يبدو أن الكتائبيين لم يتوصلوا بعد لصوغ مشروع عمل واضح المعالم. وفي هذا الاطار يكتفي الجميل بالقول ان حزبه سيطرح نفسه كـ"نموذج جديد في الحياة السياسية"، مشيرا الى أن "الكتائبيين سيكونون على الأرض الى جانب اللبنانيين الذين ينشدون الاصلاح والتغيير الحقيقي". وأضاف: "نحن سلكنا مسارًا لن يتوقف وستكون هناك خطوات سترون معالمها الاولى قريبا... لكننا بالنهاية واقعيون ونعي تماما أن الربح لن يكون سريعًا".