علمت «الأخبار» أن قيادة حزب الله في صدد إجراء حركة تعيينات وتشكيلات تنظيمية واسعة داخل الحزب ستطال مراكز متنوعة في مختلف المناطق اللبنانية.
وبحسب المعلومات، فإن هذه الخطوة كان مقرراً، كما جرت العادة، أن تلي المؤتمر العام للحزب الذي أرجئ انعقاده منذ عامين بسبب الانشغال بالأحداث في سوريا ووضع المنطقة. ومع استبعاد انعقاد المؤتمر قريباً، تقرّر فتح الورشة التنظيمية بعد الانتهاء من ملف الانتخابات البلدية، وانكبّت لجان مختصة على مراجعة الوضع التنظيمي ودرس الحاجات والامكانات والوقائع. وهذه التغييرات الواسعة دليل ثقة واطمئنان الى بنية الحزب، خصوصاً انها تجري رغم التهديدات الاسرائيلية والمشاكل الداخلية في لبنان وانخراطه بقوة في القتال في سوريا.
وليس خافياً أن دور الحزب بات، في السنوات الماضية، يتجاوز الساحة اللبنانية، من سوريا الى اليمن والعراق. كما أنه وضع على عاتقه مهمة محاربة الارهاب التكفيري، في سياق خطة لا تؤثر على جهوزية المقاومة في مواجهة العدو الاسرائيلي. وترافق ذلك مع توسّع الجسم الحزبي واجتذابه أعداداً ضخمة من المنتسبين، خصوصاً بعد الحرب في سوريا. كل ذلك، فرض البحث في تعديلات كبيرة على الهيكليات التنظيمية، وابتداع آليات جديدة للتعاطي مع الحجم البشري المتزايد واتساع رقعة الانتشار بين لبنان وسوريا.
وعليه، فإن فلسفة التغيير تنطلق من ثلاثة عناصر اساسية:
ـــــ الاول تعاظم الدور الخارجي للحزب، وخصوصا في سوريا، حيث صار بمقدور الحزب اقامة تشكيل متكامل له وحداته التنظيمية والاجتماعية الى جانب الوحدات العسكرية والامنية. وهذا يحتاج الى نقل كوادر من أصحاب الخبرات في كل هذه المجالات الى سوريا.
ــــ اعادة تنظيم المجلس الجهادي بعد استشهاد القائد مصطفى بدرالدين (السيد ذوالفقار) الذي كان مسؤولا عن عدد من الوحدات العسكرية والامنية في لبنان وسوريا، وتعيين خلف له في ادارة الوحدات العسكرية والامنية في سوريا، وتكليف قيادات تكون عادة غير معلنة بادارة الوحدات التي كانت تحت اشرافه في لبنان. وفي هذا السياق، من المرجح أن تتم اعادة هيكلة واسعة النطاق في وحدات المجلس الجهادي بحيث يتم توزيع المهام والصلاحيات التي كان يتولاها بدر الدين على عدد من المسؤولين، وكل ذلك تحت إشراف الأمين العام وقيادته.
ــــ توسيع صلاحيات بعض اعضاء الشورى، وخلق معاونيات جديدة، بهدف تقليص الأعباء الملقاة على عاتق الامين العام السيد حسن نصرالله في متابعة غالبية الملفات التي تخص الحزب في لبنان وخارجه.
وبناء على النقطة الاخيرة، سيتم إعادة هيكلة واسعة في مجلس شورى التنفيذ، حيث سيكون رئيسه الحالي («رئيس حكومة» حزب الله) السيد هاشم صفي الدين، الذي تتبع له كل الوحدات التنظيمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والنقابية والمؤسسات المهنية والاعلامية، بمثابة مرجعية تتولى ادارة فريق من المعاونين في القطاعات كافة. وهذا ما يستدعي تشكيلات اضافية على صعيد الوحدات التنظيمية في المناطق وإنشاء وحدات جديدة وإلغاء أخرى. وكذلك استحداث عدد من المعاونيات، من بينها معاونية تنظيمية يتولاها المعاون التنظيمي الحالي «الحاج سلطان» تتبع لها الوحدات التنظيمية والادارية، ومعاونية تربوية يرجح ان يتولاها المدير العام السابق لقناة «المنار» النائب السابق عبد الله قصير ومهمتها الاشراف على ملف الطلاب والجامعات والمؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم التي تضم عدداً كبيراً من المدارس، ومعاونية إعلامية يرجح أن يتولاها مسؤول العلاقات الاعلامية الحاج محمد عفيف مهمتها الاشراف على كل الوحدات والمؤسسات الاعلامية التابعة للحزب، مكتوبة ومرئية ومسموعة والكترونية، الى جانب العلاقات الاعلامية. كما ستجرى تشكيلات تستهدف توسيع دائرة الانشطة الثقافية والفكرية. وسيجري في هذا السياق إسناد عدد كبير من المهام الى نائب رئيس شورى التنفيذ الشيخ نبيل قاووق والمعاون التنفيذي أحمد صفي الدين بعد نقله من منطقة الجنوب الى شورى التنفيذ.
ومن المرجح أن يستتبع ذلك بإعادة هيكلة لبعض ملفات المجلس السياسي. ويذكر في هذا السياق تعيين رئيس بلدية الغبيري السابق محمد سعيد الخنسا مسؤولاً عن ملف العلاقات مع الأحزاب المسيحية بدلاً من القيادي غالب أبو زينب الذي استقال قبل حوالى عشرة أشهر.
وقد بدأ العمل بالفعل بالهيكلية الجديدة، التي تفرض بطبيعتها تشكيلات جديدة، كان أولها وأبرزها تعيين مسؤول عسكري جديد للحزب في سوريا بعد استشهاد بدر الدين في أيار الماضي. والقائد الجديد ليس من الرعيل الأول المؤسس في الحزب، ما يشير الى سلاسة انتقال التجربة من جيل الى جيل داخل المقاومة. وهو ما أشار اليه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه في ذكرى أسبوع بدر الدين، عندما أكد أن في حزب الله «أجيالاً من القادة»، وأن الحزب «أصبح تنظيماً كاملاً ومؤسسة حقيقية في كل الأبعاد، وفي مقدمها البعد الجهادي، وهذه المؤسسة في حالة تطور ونموّ كمّي وكيفيّ، ولا تتوقف في حركتها وبقائها وتطورها على وجود شخص محدد أو أشخاص محددين».
ويعكف المسؤول العسكري الجديد على درس هيكلة وتموضع القوات في سوريا، وفق قاعدة ان وجود الحزب في سوريا صار بمثابة وحدة متكاملة، تشمل كل الاختصاصات العسكرية والتنظيمية المعمول بها في لبنان. وهو يعدّ لإقرار تشكيلات تتناسب مع إدارته لسير المعركة، استناداً الى الرؤية التي عبّر عنها نصر الله بأن دماء بدر الدين «ستدفعنا إلى حضور أكبر وأقوى وآكد في سوريا، وسيذهب قادة إلى سوريا أكثر من العدد الذي كان موجوداً في السابق، وسنحضر بأشكال مختلفة، وسنكمل هذه المعركة».
وبطبيعة الحال، ستؤدي التشكيلات العسكرية في سوريا الى تشكيلات موازية لها في لبنان على قاعدة نقل كوادر من لبنان الى سوريا أو العكس. كما أنها ستنسحب على الجسم التنظيمي والسياسي، وعلى مستويات أخرى لاستيعاب النمو المتعاظم في هيكلية الحزب. ومن التعديلات المرتقبة:
ــــ نقل مسؤول منطقة الجنوب الاولى السيد احمد صفي الدين الى معاونية رئاسة شورى التنفيذ، في تكرار للتجربة السابقة بنقل الشيخ نبيل قاووق من المنصب نفسه الى منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي. وسيترتب على ذلك تعيين مسؤول جديد في الجنوب يرجح أن يكون الشيخ عبد المنعم قبيسي مع تشكيلات واسعة ستطال القطاعات والشُّعب وجزءاً كبيراً من الهيكل الحزبي.
ــــ حل المنطقة الخامسة (جبل لبنان) التي يرأسها الشيخ حسين زعيتر. إذ أن صغر حجم البلدات والقرى في هذه المنطقة لا يستدعي إقامة هيكلية مناطقية مماثلة لتلك الموجودة في الجنوب أو البقاع أو بيروت، إضافة إلى أن قرب هذه المنطقة من العاصمة يسمح بإلحاقها بمنطقة بيروت.
ــــ تقرّر، لأسباب صحية وادارية، قبول استقالة مسؤول منطقة البقاع النائب السابق محمد ياغي (أبو سليم)، أحد أفراد الرعيل المؤسس في حزب الله. ويعني ذلك استقالة منطقة البقاع بالكامل، وتعيين مسؤول جديد وقيادة منطقة جديدة وتشكيلات وإعادة هيكلة على مستوى كل القطاعات في المنطقة. وعلمت «الأخبار» أن اسم أحد المسؤولين العسكريين البارزين في البقاع مطروح بقوة لتولي قيادة المنطقة خلفاً لياغي.
ومع فتح «الورشة التنظيمية»، يتوقع أن تطال التغييرات قطاعات ومناطق ووحدات ومجالس أخرى في هيكلية الحزب على ضوء الوقائع الجديدة والملفات الجديدة وتلك التي يمكن أن تستحدث في المرحلة المقبلة.