تدلّ الوقائع حتى حينه أنّه لا آفاق نهائية لتداعيات القرارات الأميركية الماليّة على حزب الله، في ضوء المسارات التي أحاطت وتبعت هذا الإجراء وما حمل من ردّات فعل، بحيث إنّ سبعة مسارات أرخت بذاتها عليه، وفق التالي:
الأول - المسار الاميركي الواضح والقاضي بتجفيف الأموال عن حزب الله لجملة اسباب بينها دخوله على خطّ الحلبة الدوليّة من خلال خلايا أمنيّة، وفق ما كشفت عنه دول عدّة، وتؤكده اميركا، وكذلك انتقاله من لبنان إلى الساحة الإقليميّة بالقتال العسكري، بحيث بات على مواجهة مع المجتمع الدولي ولا سيما واشنطن التي اندفعت في عقوباتها المالية التي ستشهد منحىً تصاعدياً لا يقوى حزب الله على مواجهتها، كون روسيا وقدراتها وفق أوساط أميركيّة، لم تقوَ على تحمّل العقوبات الأميركية التي فرضت عليها، فارهقتها ودفعت بموسكو لإعادة النظر في عدّة سياسيات لها شكّلت تحدّياً لواشنطن أو سيراً عكس التيار الدولي في عدّة مناطق ساخنة على الكرة الارضية.
الثاني- مسار حزب الله «المقاتل» بقوة لهذه العقوبات واعتباره أنّها تريد النيل منه والقضاء على المقاومة ولذلك يجد أنّ عليه مواجهتها من خلال وسائل متعدّدة دون قلقه من نتائج رفضه لهذه الإجراءات الأميركية القادرة على شلّ حركته الماليّة، وكربجت عمل مؤسساته الحزبية على أكثر من صعيد.
الثالث - مسار يعتمده فريق ينطلق من ضرورة التفاعل مع قرارات الشرعية الدوليّة، ولا سيما القرارات الماليّة الاميركية لعدم قدرة لبنان على مواجهتها لأنها ستؤدّي لعزلة مصارفه عن العالم الخارجي وسقوط اقتصاده وإضافته إلى لائحة الدول المارقة.
الرابع - مسار يعتمده فريق سياسي معارض لخطوات حزب الله المتعدّدة الأبعاد، وهو يضغط باتجاه تطبيق الاجراءات الأميركية بدون تهاون، لأنّ الوقت بات مناسباً في ظلّ هكذا قرار لضبط الحزب وتقليص هيمنته على قرار الدولة السياسي وعمل مؤسساتها وتعطيله انتخاب رئيس للجمهورية.
الخامس- مسار يمثله عدد من المصارف التي استندت إلى تقارير مكاتب محاماة دوليّة لها صلة بالإدارة الاميركية ومؤسسات النقد الدولي فاعتبرت أنّ عليها اللجوء إلى خطوات استباقية بحق عدد من زبائنها تحسباً لأي إجراء قد يطالها فيصيب سمعتها أو يرتّب أي قرارات ضدّها.
السادس- مسار يقوده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يعتمد منطق «الإفتاء» إذا قدّر له في تطبيق الإجراءات، بحيث يسعى في ذلك إلى «دَوزنة» الإجراءات الاميركية في مقابل الرفض الحاد لحزب الله، اذ بات «المفتي سلامة» يعمد إلى محاولة تدوير الزوايا وفق ما يملك من هامش و قدرة واتصالات دوليّة لمنع انفجار الوضع في ضوء القرارات الأميركيّة التي من المفترض أن تأخذ منحى تصاعدياً قاصداً بذلك حماية القطاع المصرفي وتجنيب البلاد أيّة أزمات.
السابع - مسار يعمل عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، على أكثر من خطّ محلّي وديبلوماسي ودولي بهدف استيعاب الهجمة الأميركيّة والحدّ من زخمها.
وفي ظلّ هذا الواقع المغلق الآفاق، تبدو البلاد، وفق أوساط حكوميّة، أمام واقع لم تعد تقوى على تحمّله، وأقلّ ما يمكن أن تلجأ إليه القوى السياسية للخروج من هذا المأزق هو في انتخاب رئيس للجمهورية لنقل البلاد إلى مرحلة جديدة وإدارة سياسية جديدة.
لكن متى يمكن أن يحصل هذا الأمر؟
تقول الأوساط الحكوميّة إنّه رغم عدم ظهور اندفاع دولي لانتخاب رئيس جمهورية في لبنان فثمة مؤشرات تدلّ أنّ حركة ديبلوماسية استخباراتيّة في الكواليس، توحي ان حركة ما تجري في هذا الإطار.
وهل من الممكن أن يسبق انتخاب الرئيس حدث أمني يفرض الانتقال من الفراغ نحو إيصال رئيس للبلاد الى قصر بعبدا؟
تجيب الاوساط ذاتها، بأنّ لا رغبة لأي فريق في توتير الوضع الأمني، بل ثمّة تقاطع داخلي - خارجي للحفاظ على الاستقرار في لبنان، إذ من الجانب الخارجي لا سيما الأوروبي ثمّة رغبة جامحة باستمرار الوضع الهادئ في لبنان تخوّفاً لأن يؤدي أي حدث أمني إلى تدفّق النازحين السوريين نحو أوروبا في وقت بدا أنّ هذه الدول تعاني من وجودهم على أراضيها ولا تتوقف عن المحاولة للحدّ من انتقالهم إليها، ولذلك إنّ استقرار لبنان يدخل في الاهتمام والاستراتيجية الغربية،
ثانياً إنّ حزب الله لن يصل في اعتراضاته إلى حدّ اللجوء لاجراءات أو أحداث كما يشيع «محبيه». إذ في منطق الحزب، وفق الأوساط الحكوميّة، إنّ لبنان هو أرض إمداد لسوريا التي اضحت بالنسبة إليه أرض جهاد، إذ في لبنان تتوفّر الأرضيّة الخلفيّة لمعركته العسكرية من مطار ومستشفيات ومرفأ ومصارف..... وهو لا يميل في حساباته العسكرية-الأمنية إلى افتعال أي حدث امني لكون إشكال صغير على طريق المصنع قد يقطع شريان تواصله مع الداخل السوري، وأنّ تواجد حزب الله في أرض الجهاد (سوريا) يتطلّب استقراراً قوياً في أرض الإمداد (لبنان)، بالإضافة إلى أنّ أي تحرّك غير مدروس تقول الاوساط الحكومية، ممكن أن يقدم عليه حزب الله لن يعدّل في مسار القرار الأميركي لا بل سيرتدّ عليه سلباً، بأبعاد متعدّدة.
من هنا إنّ البلاد باتت بحاجة إلى رئيس للجمهورية، تتابع الأوساط، في الواقع العملي أكثر مما هو في الواقع السياسي، وهو ما قد يتكامل بين حاجة حزب الله للحدّ من وطأة الحصار عليه مع الحركة الديبلوماسية الخفيّة المحفّزة لانتخاب رئيس، لكن هل يكون الرئيس من داخل الثنائي في 8 آذار (عون وفرنجية)؟ أو أنّ ثمّة خياراً جديداً، لا سيما أنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون هو الاقوى ولا يمكن تجاوزه؟
لا تخفي الأوساط ذاتها أنّ للعماد عون شعبية وحجم سياسي كبيرين مقارنة مع رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، إلا أنّها تتوقّف أمام عاملين:
الأوّل - لم يصدر حتّى حينه عن العماد عون أي موقف صلب بدعم القرارات الدوليّة، بما يدعو للاستغراب، في ظلّ مواقف كانت لافتة إسوة بوزير المالية علي حسن خليل، الذي شكّل كلامه محاكاة للشرعية الدوليّة، وبذلك لم يسقط العماد عون مقولة إنّ عون الحليف لحزب الله هو غير عون الرئيس الذي عليه أن يكون في مواقف مغايرة ولا سيما تجاه القطاع المصرفي الذي يواجه اليوم تحديات، إذ عند الاستحقاق الذي يشكّل محكّاً لعون يفقد سهماً من أسهمه، بحيث يضحى من الصعوبة من قبل الفريق المقابل لعون أن يماشي وصوله إلى بعبدا.
ثانياً- مقولة أنّه يجب انتخاب عون رئيساً لأنّه الأقوى على غرار ما يحصل في رئاستي مجلس النواب والوزراء، هي قراءة في غير مكانها، إذا كان لابد من المقارنة مع الواقع الشيعي لكون المعادلة الشعبية السياسية تفترض أن يكون رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد رئيساً لمجلس النواب قياساً لحجم حزب الله وليس رئيس حركة امل نبيه برّي الذي هو حاليا رئيسا لمجلس النواب، وإذا كان لا بدّ من المقارنة مع الواقع السنّي، يترأس الحكومة الحالية تمام سلام في حين أنّ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري هو الأقوى سياسياً ويملك التمثيل الشعبي الأوسع في الساحة السنيّة. وكان سبق ذلك أن تولّى كلّ من الرئيسين السابقين سليم الحصّ وعمر كرامي رئاسة الحكومة في ظلّ وجود الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ما يعني أنّ هذه القاعدة ليست ثابتة، وإن كان عون هو الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين.
وتلفت الاوساط ذاتها أنّ احتمال انتخاب رئيس قبل رأس السنة القادمة، سيأخذ بعين الاعتبار الاستمرار في ترشّح عون وفرنجية، لكن حتّى حينه لا تدلّ أيّة مؤشرات على وجود صفقة على خطّ واشنطن ـ طهران من شأنها أن تنسحب على حزب الله للتأثير على عون للانسحاب. لكن الحاجة لنقل البلاد من هذا المأزق الاقتصادي السياسي بات يكمن في ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وفق ما يدل كلام المراجع الديبلوماسية، على ما علمت منها الاوساط الحكومية المواكبة لهذا الملف والمطلعة على خفاياه.