الحب شعور داخلي موجود في كل مكان وزمان، فهو أطهر وأجمل من قصة أو أغنية، فهو مشاعر حساسة مصدره الروح ومكانه القلب، ولا يقوم إلا على الراحة النفسية بين الطرفين، فهو تسامح وغفران ومساندة دون مقابل أو مصلحة مهما كانت، وهو عطاء بلا مقابل له غير الحب والتضحية والإيثار، قائم على التفاني والتضحية وإيجاد سبل النجاح، وتخطي العقبات والأزمات من أجل مواصلة الحياة معاً، من أجل مساعدتهم على الوقوف عند التعثر، والوقوف الى جانبهم عند الفرح في أوقات الحزن، والتحلي بالأمل، والبعد عن اليأس...
ينبع الحب من المنزل الذي تربيت وترعرعت في أركانه ومن أحضان أمي، انطلقت وتعلمت منها الحب الحقيقي وتحليت بصفاتها، حتى اصطحبتني هذه الصفات والمبادئ إلى الكبر حتى تطبعت بطبعي وأخلاقي ومبادئي، فأصبحت تمثل شخصيتي، تعلمت ان الحب هو ان نحب أنفسنا لغيرنا، لا ان نحب غيرنا لانفسنا. هذه انانية وهذا عشق، الحب الحقيقي هو حب الأم، نعم، الأم التي تجوع حتى يشبع ولدها وتعطش حتى يرتوي ولدها وتتعب حتى يرتاح ولدها...
الحب الحقيقي ان تحب الطرف الآخر لا ان تحبه لنفسك، والحب يأتي عبر المعرفة، والعطاء، والتعاون، والايحاء، ومن المستحيل ان يكون هناك حب يسيطر على الإنسان ونعطي الحب لمن لا يستحقه، فعندها نقع في ما لا نحب عقباه، ويبقى العقل الموصل الذي يوصل قلوبنا إلى أين نتجه، فللعاطفة صلاحها وفسادها ونحن نستطيع ان نعقلن عاطفتنا، فمن الخطأ ان نقول "اننا لا نملك قلوبنا" لأننا لا نريد ان نخرج الناس من قلوبنا ولو من خلال الإلفة، لان الإنسان يألف بفعل بيئته، فقد يألف الخيانة ويستوحش اذا صار إنسان مخلصًا، لذلك ادرسوا انفسكم جيداً لأننا في بعض الحالات لا نفرق بين ما نريده او ما نقدر عليه. ومن هنا، من بيئتي وتربيتي، أعطي حبي للآخرين، وأقول أنّ الذي لا يكتمل الحب في بيته والبيئة التي نشأ فيها هو عاجز على أن يعطيه الى الآخرين في مجتمعه ومع من حوله...
نرى الشيء الجميل او الشيء الجيد، فنجد أنفسنا صدى انفعالياً لذلك الجمال او لتلك الجودة، وقد نحس في أنفسنا بعد هذا الشعور انجذاباً رقيقاً، أو عنيفاً إلى ذلك الشيء، وهذا الشيء هو الإنجذاب وهو المحبة، فإذا كلّفتنا هذه المحبة ان نتحمّل بعض المشاق أصبحت (وداً) وإذا بلغت أكثر من ذلك الحد صارت (حُباً)، وهذه أسمى درجات هذا الإحساس، فهو قوة خفية وهو الإيمان، "وهل الإيمان إلا من الحب"، هذا الحب القدسي لا يمكن العبث به وتضيع قيمته الجوهرية لمجرد الأنانية وتنفيذ الرغبات.
إن الحب عاطفة إنسانية لا ترتبط بدين او مذهب، نريد ان نعطي للحب معنى انسانياً يربط الانسان بالقيمة لا بالذات، ليس معنى الحب ان تفكر بالآخر، ما نفكر فيه بالآخر، نحن لا نحب الذات، نحب الجمال بالجميل لأن الجميل يمثل القيمة وهكذا تتجسد بِنَا هذه القيمة، وهكذا عندما نحب المخلص فأنت تحب الإخلاص الذي هو قيمة في نفسك، عندما نحب العالم فإن العلم يمثل قيمة تحبها وهكذا عندما تبغض او لا تتعاطف مع القبيح فلأنك تعتبر القبح قيمة سلبية، ولا تتعاطف مع الخائن لأنك تعتبر الخيانة قيمة سلبية.
ان العاطفة ليست شيئًا يفرض علينا، بل هي شيء يولد في ولادة مفاهيمها او نصنعها او نرثها أو نتأثر بها هنا وهناك، لذلك هناك عاطفة تتحرك في خط الصلاح، فعندما تتفتح هذه العاطفة على القيم الطيبة في الإنسان فإنها تكون صلاحًا، لان الطيبين المخلصين في الحياة الذين يعيشون روحية العطاء في الحياة، هؤلاء عندما نمنحهم حباً نستطيع ان نمنحهم قوة من خلال هذا الحب لأن الإنسان في انسانيته يقوى من خلال الحب الذي نمنحه، وكما انه يضعف امام العاطفة السلبية التي يوجهها الآخرون اليهم، فمسؤوليتنا حب الذين يعطون الحياة حباً من طاقاتهم، وعلمهم، وجهدهم وكل ما عندهم من علم.
هذا هو الحب الذي تعودت ان اتعامل به مع من أحب، تعودت أن أكون الى جانبكم، أن احتفظ لكم في داخلي بمساحة جميلة ومساحات شاسعة من الرحمة والمودة، والغفران لكل مسيء لأنني لا انتظر المقابل، مبدئي لا للحب المزيف، لا للمصلحة، تعودت أن أرد عنكم كلمات السوء في غيابكم، وأحرص على بقائكم صفحة بيضاء في أعين الآخرين.
الحب الحقيقي هو ان نتجرد من أنانيتنا من أجل من نحب، وأن لا نفرض عليهم مشاعرنا، وأحلامنا، وألا نصطاد قلوبهم في الماء العكر، ان لا نبيع ونشتري الحب كما الحال عند البعض الذين يزعمون المودة، والحب ليس بمجرد التلفظ نحن نحبك بدون احترام وتقدير... كلا، بل هو أن تتمثل بالسير على مصلحة الذين تحبون عملاً وقولاً...