معضلات عدّة تلتقي عندها نقاط التشابه فيما بين قوّتين كبيرتين إقليميتين في الشرق الأوسط هما إيران وتركيا، أبرزها القضية الكردية والتركيبة الأثنية في كلّ من البلدين والقوة الإقتصادية التي يمنحها الواقع الجغرافي لكليهما كبوابتين إستراتيجيتين للشرق والغرب.
أمّا العلاقات الإيرانية التركية عبر التاريخ فعنونتها "المصالح المشتركة"، وأرجحها التعاون حيناً والتنافس أحياناً أخرى، أشعلها صراع "النفوذ" في ظلّ أهداف جغرافيا-سياسية لم تعد تتلاءم مع الحدود الجغرافية التي ثبتتها معركة جالديران 1514(1)؛ فالحروب الدموية في سوريا واليمن والعراق والإنقلابات السياسية التي حصلت في مصر وتونس وهذا الإنقسام الحاد في المواقف والأدوار التركية حيالها وبالمقابل المواقف السياسية الإيرانية أشعل صراعاً من الصعب إطفاء نيرانه؛ والبيان الختامي لقمة منطقة التعاون الإسلامي التي إنعقدت في مدينة إسطنبول والإتهامات المباشرة التي وُجّهت إلى إيران بدعمها "الإرهاب" وفق ما سمّاه البيان وإتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وإعتراض الرئيس الإيراني حسن روحاني عليها وإتهام السعودية بالضغط على دول مجلس التعاون الإسلامي وسّع من حلقة الصدام.
ولئن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطابه أثناء القمة بضرورة تنحية الخلافات السنية-الشيعية؛ ما دفع ببعض المراقبين إلى إعطائه صفة الوسيط المرتقب بين كلّ من إيران والسعودية وحفاظه على المصالح الإقتصادية والأمنية والسياسية لكل من بلده وإيران لا سيّما بعد إنضمام تركيا إلى "التحالف الإسلامي" وقبلها تأييد "عاصفة الحزم" دون دور فاعل كما يحلّل البعض، إذ أن تركيا تحصر تدخلها في الجانب السوري دون إمتداده إلى محاذاة إيران وتوسيع دائرة صراعها.
ولكن بالمقابل؛ إن مستقبل العلاقة بين البلدين معقّد للغاية إذ أن التخوّف التركي من نتائج الإتفاق النووي الإيراني-الأميركي وأثره على المصالح الإقتصادية التركية في ظلّ إنفتاح كل من أوروبا وأميركا على علاقات تجارية وإقتصادية حرّة مع إيران ما ينافس جدّياً العلاقة التركية والإيرانية الإقتصادية وإمكانية حلول أي دولة أخرى بدلاً عن تركيا في هذه العلاقة بسبب الجغرافيا السياسية، هذا من جهة؛ أما من جهة أخرى، الدور الذي يلعبه أردوغان في الأحداث السورية تختلف نتائجه عن الصراعات الجيوسياسية السابقة مع إيران حيال دولة العراق مثلاً أو إقليم كردستان وتتضمن نتائجه الوقوف عند المصالح الإقتصادية المشتركة ليُطرح السؤال عن مدى تلاؤم السياسة الدولية الإقليمية المقبلة مع سياسية "حزب العدالة والتنمية" حيال المنطقة، لا سيّما في ظلّ التقارب الإقتصادي والسياسي الكبير فيما بين تركيا وإسرائيل والحذر الإيراني من تركيا ومواقفها حيال ملف شمال الأطلسي وموافقتها على إنشاء الدرع الصاروخي في ولاية ملاطيا التركية الحدودية مع إيران؛ فهل يبقى الميزان الإقتصادي للعلاقات التركية-الإيرانية ضابطاً لإيقاع السلام الجزئي؟ أم أنّ السياسة الأميركية-الروسية-الإيرانية الجديدة ستقلب موازين القوى؟
وكان التصريح السابق لرئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في طهران رسالة مباشرة إلى السعودية تحمل في طيّاتها الأهمية القصوى لمصلحة تركيا في الحفاظ على علاقة وسطية مع إيران، حيث قال حرفياً: "لدينا وجهات نظر مختلفة في عدد من القضايا، إلاّ أن تطوير العلاقات بين تركيا وإيران سوف يؤدي لتحقيق السلام الشامل في منطقتنا"، ليعود بعدها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا ويتم توقيع إتفاقيات تجارية إقتصادية مشتركة شملت التعاملات المصرفية وتخفيض التعرفة الجمركية وتحسين خدمات الطاقة الكهربائية من إيران وكذلك إستثمارات تركية في عقود الغاز والنفظ، والتعاون في الأسواق المالية على قاعدة نسبية البلدين زيادة التعاملات التجارية بينهما إلى 30 مليار دولار في العام.
ففي ظلّ هذه المصالح الإقتصادية، تبقى تركيا على مسافة بعيدة من الغوص في إستراتيجية "النفوذ الإسلامي" الذي تضعه السعودية في المنطقة.
(1)معركة "جالديران" حصلت في 23 آب 1514 في "جالديران"، وتواجه فيها العثمانيون بقيادة السلطان سليم ياوز الأول والصفويين بقيادة إسماعيل الأول. انتهت بانتصار العثمانيين واحتلالهم لمدينة تبريز.