في وقتٍ لا يزال المحيطون برئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون يتأمّلون بـ"انفراجٍ ما" قد يقود "الجنرال" أخيراً إلى قصر بعبدا، يتمثّل بـ"مبادرةٍ" من رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري إزاءه، يصرّ البعض في قوى "8 آذار"، عن قصدٍ أو غير قصدٍ، على "تعقيد" الأمر أكثر ممّا هو "معقّد"، من خلال رفع الأسقف إلى أعلى درجة.
فإذا كان صحيحًا أنّ للحريري مصلحة في هذا التوقيت بالتحديد في التوصّل إلى اتفاقٍ تاريخي مع "الجنرال" يعود بموجبه إلى "جنّة" رئاسة الحكومة ليستعيد من خلالها شيئاً من "هيبته وزعامته"، فإنّ الأصحّ أنّه لا يمكن أن يفعل ذلك إلا من موقع قوة، لا من موقع الخاضع والمنصاع بطبيعة الحال.
بين المنطق والواقع...
لا شكّ أنّ عين الحريري على السراي، خصوصًا بعد "الخسارة" التي مُني بها في الانتخابات البلدية، والتي وضعته في خانة "المتضرّر الأكبر"، بعدما خسر الكثير من رصيده الشعبي، حتى في المناطق التي لطالما كانت "في الجيب"، كما يحلو للبعض أن يقول. ولأنّ نتائج الانتخابات البلدية عبّرت بشكلٍ أو بآخر عن نتيجة تراكماتٍ خاطئة في السياسة الحريرية بدأت منذ إخراجه من رئاسة الحكومة، وصولاً إلى القرارات غير الشعبوية التي اتخذها والأزمة المالية التي تخبّط ولا يزال بها، مروراً بغربته القسرية الطويلة خارج البلد، فإنّ التعويض لا يمكن أن يكون إلا بالعودة إلى السراي الحكومي أولاً وقبل كلّ شيء.
وإذا كان صحيحاً أنّ مثل هذه العودة تصبح "مضمونة" بمجرّد أن يتّخذ "الشيخ سعد" القرار بدعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بعدما سبقه إلى ذلك رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، فإنّ الأمر لا يزال دونه على المستوى العملي والواقعي عقبات في البيئة "الحريريّة"، خصوصًا أنّ عون من وجهة نظر جمهور "المستقبل" مسؤول عن العديد من الإنتكاسات التي تعرض لها تيارهم، فهو كان رأس حربة قوى الثامن من آذار في الهجوم عليه، لا بل هو لم يتردد يوماً في التصويب على ما يعتبرونه خطاً أحمراً، أي رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وكذلك اتفاق الطائف الذي لا يتورع عون عن المطالبة بتعديله.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الذهاب إلى خطوة من هذا النوع يحتاج إلى موافقة الراعي الإقليمي، أي المملكة العربية السعودية، التي لا تزال هي المقرر الأول، وما كشفه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في حديثه التلفزيوني الأخير خير دليل على ذلك. وحتى الساعة، لا توحي المعطيات بأنّ "الفيتو" المطروح على عون قد سقط فعلياً مع رحيل وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل، وقد كان السفير السعودي علي عواض عسيري واضحاً برفضه تحميل دعوة عون إلى عشاء السفارة الشهير ما لا يحتمل، في وقتٍ يرى المراقبون أنّ السعودية تميل إلى التشدّد أكثر من الليونة في هذه المرحلة.
نتائج عكسيّة...
ولأنّ هذه العوامل كافية لوحدها لتجميد أيّ اندفاعة "حريرية" ممكنة تجاه عون، فإنّ الحماسة المبالَغ بها التي يبديها البعض في "8 آذار" والمعادلات التي يطرحونها تبدو مضرّة بـ"الجنرال" أكثر ممّا هي مفيدة له، خصوصًا أنّ من شأنها أن تؤدّي لردود فعل عكسيّة في أحسن الأحوال، باعتبار أنّ الحريري إذا كان فعلاً يفكّر في تبنّي ترشيح عون بموجب تسويةٍ ما، فإنّ مجرّد إظهاره وكانّه مُكرَهٌ على ذلك وليس بطلاً يدعوه لإعادة النظر بالموضوع جملة وتفصيلاً.
ربما يعتبر البعض عن حسن نيّة أنه من خلال القول أن مفتاح رئاسة الحكومة المقبلة بيد رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" سوف يدفع الحريري إلى الإتصال فوراً بالمسؤولين في الرابية، من أجل حجز موعد عاجل له، على أمل لقاء الجنرال من أجل إبرام إتفاق تاريخي معه، يقضي بوصول عون إلى قصر بعبدا و"الشيخ" إلى السراي الحكومي. إلا أنّ الحقيقة تبقى أنّ رئيس الحكومة السابق الذي يعاني من أزمات مفتوحة، سياسية ومالية وتنظيمية داخل تياره، لا يمكن أن يذهب إلى أي تسوية من موقع الضعيف، الراغب بالحصول على مفتاح الزعامة من خصم لدود قال له بعد إسقاط الحكومة التي كان يرأسها من الرابية نفسها بأنه ذاهب بلا عودة، مستخدماً العبارة الشهيرة: "وان واي تيكت".
من هذا المنطلق، لا يمكن إعتبار ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية شبيهًا بتبني خيار رئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، ففي الحالة الأولى "الشيخ سعد" هو من رشح النائب فرنجية، أما في الثانية فالمطلوب منه القبول بما يُفرَض عليه من قبل الفريق الآخر، وهو ما ليس وارداً بالنسبة له، لا سيما أن العماد عون لا يزال مرشح "حزب الله" الرسمي، بغض النظر عن تبني رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع له بعد توقيع ورقة إعلان النوايا، علمًا أنّ "الحكيم" ذهب إلى هذا الخيار بعد تبني الحريري "البيك" أولاً وأخيراً.
إفساد وحرق الطبخة!
باختصار، قد يكون المحيطون بالعماد ميشال عون والمتحمّسون له على حدّ سواء محقّين بـ"التفاؤل" بتليين رئيس "تيار المستقبل" لموقفه من "الجنرال"، وتسهيل انتخابه رئيساً، إذا كان سيضمن بذلك عودته لرئاسة الحكومة، في وقتٍ هو بأمسّ الحاجة لها، ولو كابر على نفسه ولم يقرّ بذلك.
ولكنّ الأكيد أنّ مثل هذه التفاصيل لا تُناقَش إلا في غرف المفاوضات وكواليسها، وليس في العلن، لأنّها لا شكّ قادرة ليس فقط على "إفساد" الطبخة، إن كان هناك من طبخة أصلاً، بل حرقها عن بكرة أبيها!