في ظل المخططات القائمة على الجبهة الجنوبية السورية، لا يمكن أن يمر الهجوم على قوات حرس الحدود الأردنية، يوم أمس، مرور الكرام، خصوصاً بعد أن وجهت سهام المسؤولية عنه سريعاً إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، لا سيما أنه ليس الإستهداف الأول الموجه ضد عمان، كما أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت أول من توقعت حصوله في الفترة الأخيرة.
من حيث المبدأ، هذه العملية الإرهابية قد تدفع نحو تحريك الجبهة الجنوبية من منطلق محاربة الإرهاب، المتمثل بتنظيم "داعش"، في مقدمة لتحقيق المصالح الإسرائيلية الكامنة في إنشاء منطقة آمنة في المثلث الذي يضم الجولان والأردن وسوريا، بهدف القضاء على أي أمل لتفعيل حركة مقاومة سورية، بعد أن كانت مراكز صنع القرار في تل أبيب تراقب ما يحصل من تطورات على الجانب الآخر من الحدود، وتعمد إلى التدخل المباشر عندما تدعو الحاجة.
في هذا السياق، تشدد مصادر متابعة على ضرورة العودة إلى الوراء بالأحداث لمراجعة جملة من المعطيات المهمة، أبرزها إعلان "داعش" تشكيل مولوده الجديد في الجنوب السوري، "جيش خالد بن الوليد"، الذي يضم 5 فصائل أساسية هي: "لواء شهداء اليرموك"، "حركة المثنى الإسلامية"، "فرقة حمزة أسد الله الغالب"، "جماعة المجاهدين وتجمع أنصار الأقصى"، في خضم مواجهات عنيفة يخوضها مع قوى المعارضة الأخرى، من ضمنها الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، التي كانت ولا تزال تحصل على دعم مفتوح من قوى إقليمية ودولية، عبر غرف العمليات العسكرية "موك"، الموجودة داخل الأراضي الأردنية، التي تحولت منذ بداية الحرب إلى مراكز تدريب لها، وهي تضم ضباطاً من جنسيات عربية وغربية مختلفة، بالإضافة إلى مجموعة من الضباط الإسرائيليين.
بالتزامن مع هذا الإعلان من جانب "داعش"، كانت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، تتحدث عن إحتمال إستهداف الأجهزة الأمنية الأردنية من قبل التنظيم الإرهابي، واضعة عدة أسباب لهذا الأمر، أبرزها دور تلك الأجهزة في الحرب عليه في سوريا والعراق، التي لا تقف عند حدود تقديم المعلومات الدقيقة إلى قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، بل تشمل أيضاً العمل على تقليب العشائر العربية ضده، نظراً إلى علاقاتها القوية معها.
على صعيد متصل، تعتبر المصادر نفسها أنه لا يمكن تجاهل دور الجيش الإسرائيلي، الذي لم يتوقف عن تقديم الخدمات الطبية إلى الفصائل المعارضة، والتي كان من أبرزها جبهة "النصرة"، حيث تم الكشف مؤخراً عن تشكيل "وحدة إرتباط" مع قوى سورية معارضة، شبيهة بتلك التي كانت قائمة في جنوب لبنان مع ما كان يعرف بـ"جيش لحد"، في الأسابيع الأخيرة، مع العلم أن تل أبيب لم تتأخر يوماً عن تأمين دعم جوي إلى تلك القوى عبر تنفيذ غارات على مواقع تابعة للجيش السوري، بالإضافة إلى تزويدها بالأسلحة والمعلومات التي تحتاجها.
وتوضح هذه المصادر أنه في المشهد السياسي العام، كان الحديث يتعاظم عن مساهمة التهديد الذي يشكله "داعش" في تعزيز التعاون والتنسيق بين عمان وتل أبيب، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام جملة من التساؤلات، خصوصاً بالنسبة إلى إحتمال إطلاق حملة لمكافحة الإرهاب في الجنوب السوري، تكون مقدمة نحو تشكيل المنطقة الآمنة التي تحلم بها إسرائيل، على أن تكون الفصائل المدعومة من غرفة "موك" عماد قواتها البرية، لكن هل تشارك فيها إسرائيل بصورة مباشرة، من أجل تقديم نفسها كدولة شريكة في مكافحة الإرهاب بالمنطقة، في ظل العلاقات الجيدة التي تجمعها مع الجانب الروسي، والتي تظهر من خلال التنسيق القائم بينهما والزيارات المتكررة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو؟
في المحصلة، عملية مكافحة الإرهاب باتت عنواناً لمشاريع كبرى يجري الإعداد لها على مستوى المنطقة، أبرزها التقسيم على أنقاض إتفاقية سايكس بيكو، ومن غير المستبعد أن تتحول تل أبيب إلى أبرز المشاركين فيها في المرحلة المقبلة.