بقيت مشكلة جهاز امن الدولة واقفة عند الحاجز السياسي ولم تجد طريقها بعد لسلوك الخط العسكري الذي يسمح لها بتجاوز الحاجز والانطلاق ادارياً ومالياً لاكمال مسيرتها الامنية. ومع اقتراب موعد 27 من الشهر الحالي، وهو موعد احالة نائب رئيس الجهاز العميد محمد الطفيلي الى التقاعد، كثرت الاقاويل والتحليلات والمعطيات حول مستقبل هذا الجهاز والنهاية التي ستكتب للسباق الطويل الذي خاضه رئيس الجهاز اللواء جورج قرعة والعميد الطفيلي للوصول الى خط النهاية.
بداية، لا بد من القول ان السباق ربحه على الورق وحسابيا اللواء قرعة، لأنّ خطوة التمديد او تأجيل تسريح العميد الطفيلي دونها صعوبات كثيرة ادارية وسياسية لا يقوى رئيس الحكومة تمام سلام على مواجهتها، وهو سيشعر انه وحيد في مواجهة مشكلة طائفية-سياسية تلاحقه منذ أمدٍ غير قصير ويتعامل معها على "الطريقة اللبنانية"، أي تأجيل البت الى حين حصول تطورات او احداث تفرض اتخاذ قرارات لا مهرب منها.
ومع ارسال اللواء قرعة كتاباً خطياً حول احالة نائبه الى التقاعد، ومع الاتجاه الرسمي الى عدم تحويل الموضوع الى مشكلة اكبر من خلال التمديد او تأجيل التسريح، تسود تكهّنات حول ما يمكن تسميته بطريقة الرد على هذه الخطوة.
سيناريوهات كثيرة وضعت ومنها على سبيل المثال، اختيار ضابط آخر من خارج اطار التسوية، يعيد الامور الى ما كانت عليه خلال تواجد العميد الطفيلي في مركزه، اي ان يبقى التوقيع الزامياً لنائب الرئيس على المعاملات الادارية، وهي خطوة يعتبرها اللواء قرعة مساً بصلاحياته بطريقة غير قانونية، ما يعيد الامور الى نقطة الصفر انما بوجه جديد.
سيناريو آخر مطروح على بساط البحث وهو التوصل الى شخصيّة مقبولة او ما يصطلح على تسميته بالتسووية، شرط ان تبقى مسألة التوقيع حاضرة، بما يعني تخفيف حدة التشنج بين الرئيس ونائبه، انما الابقاء على تقويض صلاحيات اللواء قرعة بحيث تبقى مسألة تسيير المعاملات مشروطة بتوقيع نائب رئيس الجهاز الى جانب توقيع الرئيس.
ولكن، بين هذا وذاك، هناك مشكلة مطروحة وهي الاتفاق على الاسم في مجلس الوزراء، في ظل الانقسام الواضح في المواقف بين الوزراء من مشكلة هذا الجهاز الامني بحيث قد لا يتم التوصل الى اتفاق عليه، وعندها سيكون هناك سبب آخر للحد من صلاحيات هذا الجهاز وربما البدء بطرح اسباب وجوده والتفكير بإمكانيّة انهائه او ضمه الى جهاز أمنيّ آخر، في ظل التقاعس الواضح لرئيس الحكومة تمام سلام لجهة البت بالموضوع.
ومن السيناريوهات المطروحة ايضاً، الابقاء على "الفيتو" الموضوع على اللواء قرعة لجهة عدم مشاركته في الاجتماعات الأمنيّة التي تعقد، وعدم اعطائه الاذن بالسفر وتلبية دعوات مسؤولين امنيين تابعين لاجهزة استخباراتية رسمية اجنبية، اضافة الى التضييق المالي واللوجستي الذي سيبقى مفروضاً على الجهاز.
كل هذه السيناريوهات المطروحة تبقى مجرد افكار، ولكنها مطروحة بالفعل ومن غير المعلوم بعد ما اذا كان سيتم اعتماد اي منها، الا ان الثابت هو انها كلها تصب في خانة تحجيم صلاحيات اللواء قرعة واشعاره بأنه لا يزال في الموقع الذي عانى منه مع العميد الطفيلي، ولن يكون مطلق اليدين في التصرف الى ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتتغير الحكومة.
وكما ظهرت مشكلة نائب رئيس جهاز امن الدولة بشكل فجائي، من المتوقع الا تنتهي هذه الازمة بشكل فجائي، بل انها قد تشهد فصولاً جديدة من المشاكل خصوصاً بعد ان دخل اليها العنصر الطائفي، لكن السؤال الذي يطرح هو عن المستفيد من تعطيل احد الاجهزة الامنية في وقت نعيش في ظل الحاجة الملحة الى المزيد من اليقظة الامنية والدعم لمواجهة خطر الارهاب والارهابيين.